صور الوحى إلى النبى صلىاللهعليهوسلم وكيفياته :
فنجد العلماء قد ذكروا له تسع صور تجسد كيفياته وصفاته :
فالصورة الأولى : أن يأتى ملك الوحى إلى النبى صلىاللهعليهوسلم فى مثل صلصلة الجرس ، فقد روى البخارى فى صحيحه بسنده عن السيدة عائشة ـ رضى الله تعالى عنها ـ أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحى؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس ـ وهو أشده علىّ ـ فيفصم عنى وقد وعيت ما قال ..». (٣٧)
لقد شبّه النبى صلىاللهعليهوسلم صوت الملك لدى مجيئه بالوحى بصوت صلصلة الجرس.
والصلصلة فى الأصل : صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ، ثم أطلق على كل صوت له طنين. وقيل : هو صوت متدارك لا يدرك فى أول وهلة ، ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد.
والجرس ـ بفتح الراء ـ مشتق من الجرس ـ بسكون الراء ـ وهو الحسّ ، ويطلق على ناقوس صغير أو سطل فى داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا على البعير ، فإذا تحرك تحركت النحاسة فأصابت السطل فحدثت الصلصلة (٣٨).
وقال بعض العلماء : إن الصلصلة صوت خفق أجنحة الملك ، والحكمة فى تقدمه للوحى أن يقرع سمعه صلىاللهعليهوسلم الوحى فلا يبقى مكان لغيره ، ولما كان الجرس لا يحصل صلصلة إلا متداركة ، وقع التشبيه به دون غيره من الآلات.
فإن الكلام العظيم له مقدمات تأذن بتعظيمه للاهتمام به ، وإنما كان شديدا عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع (٣٩).
كذلك أخرج الإمام أحمد فى مسنده عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : سألت النبى صلىاللهعليهوسلم : هل تحس بالوحى؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم.
أسمع صلاصل ، ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرة يوحى إلىّ إلا ظننت أن نفسى تفيض» (٤٠). وهذا الحديث يفسر قوله صلىاللهعليهوسلم ـ فى حديث البخارى المتقدم ـ عن هذه الكيفية للوحى : «وهو أشده علىّ»!!
ومع هذه الحالة المذكورة يكون النفث من الملك فى روع النبى صلىاللهعليهوسلم كما تقدم ، إذ يقول الحافظ ابن حجر : (وأما النفث فى الروع فيحتمل أن يرجع إلى إحدى الحالتين ـ أى الصلصلة والتمثل رجلا ـ فإذا أتاه الملك فى مثل صلصلة الجرس نفث حينئذ فى روعه) (٤١). وظاهر ذلك خفاء ذات الملك لدى الصلصلة.