لأن الآيات التى وردت بعد عامة فى الأزمنة ، وهذا خاص ، والعام لا ينسخ الخاص باتفاق) (١٨).
الخامسة : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة : ٢٤٠.
(قيل : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) البقرة : ٢٣٤. وهى متقدمة عليها فى الترتيب مؤخرة عنها فى النزول.
وذهب جماعة من المفسرين إلى أنها محكمة لا نسخ فيها وهو الراجح عندى.
وبيان ذلك : أن الآية الأولى فى ترتيب المصحف فرضت على المرأة أن تعتد فى بيت الزوجية أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليهن ، لا تخرج فيها من بيتها إلا لحاجتها الضرورية ، ولا تتزين للرجال ، ولا تتعرض لهم من أجل الزواج ، حتى تنقضى عدتها.
والآية الثانية فى الترتيب أقرت حكم الآية الأولى من وجوب العدة أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليهن ، مع إفادة استحباب أن تكون العدة حولا.
وهذا الاستحباب إما أن يكون وصية من الله للورثة ؛ مبالغة فى تكريم المرأة وإنعاما منه فى رفع المعاناة عنها ، وتطييبا لنفسها ووفاء لزوجها ، وإما أن يكون وصية من الزوج قبل موته ، وإما أن يكون وصية من الورثة بعضهم لبعض.
وأما النفقة فليست مرفوعة بميراثها من زوجها ؛ لأن هذه الوصية على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب ، فآية المواريث نقلت الحكم من الوجوب إلى الاستحباب ولم ترفعه بالكلية.
ومن هنا نفهم أن النسخ فى هذه الآية يحمل على معناه الواسع الذى قال به السلف ، والخلاف بين الفريقين لفظى أو اصطلاحى ولا مشاحة فى الاصطلاح ، وكل من الفريقين على الصواب ـ إن شاء الله تعالى.
ومن نظر فى هاتين الآيتين وجد الأمر كما قررناه ، فالآية الأولى فيها ذكر التربص وهو الانتظار والحبس عن الزواج حتى تنتهى العدة ، بخلاف الآية الثانية ، وبذلك تكون الآية الأولى خاصة بالزمن الذى لا تتعرض فيه المرأة إلى خطبة الأزواج ، وما تبقى من الحول وهو سبعة أشهر وعشرين يوما تكون المرأة فيه مخيرة بين الانتقال من بيت الزوج المتوفى والتزوج بآخر والمكث فى بيت زوجها المتوفى