القرآن والسنة ، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفايات ، خاصة أن أهل عصرنا ممن يريدون الحق من سائر الأجناس لا يذعنون بشيء مثل إذعانهم للعلم ومنهجه وبيناته ودلائله.
* من أوجه الإعجاز العلمى للقرآن الكريم :
١ ـ فى آيات السماء :
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (١٧).
تشير هذه الآية القرآنية الكريمة إلى بعض الظواهر الكونية التى أخبر بها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لتدل على كمال قدرته وبالغ حكمته ، ومنها أنه خلق السموات مرتفعات بغير عمد ، أى دعائم ، يمكن رؤيتها بالبصر ، وقد جاء فى تفسير ذلك عن ابن عباس ومجاهد والحسن أنهم قالوا : لها عمد ولكن لا ترى. ولو قيل (بغير عمد) فحسب لكان ذلك نفيا مطلقا للعمد ، مرئية وغير مرئية. والنفى المطلق يخالف الواقع الذى أودع الله تعالى فيه سننه ونواميسه وآياته التى وعد ـ سبحانه ـ بإظهارها مستقبلا على أيدى من يشاء من عباده ، وبهذا يكون المعنى العام أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق السموات ورفعها وربط بين أجزائها وحفظ اتزانها فى مواقعها التى قدّرها لها من غير دعائم مرئية ، لأن هذه الدعائم من شأنها وطبيعتها التى أوجدها الله عليها أنها لا ترى أصلا.
ويمكن تصور هذه الدعائم غير المرئية ـ من منظور العلم الحديث ـ بأنها من نوع القوى المجالية التى تعمل وفق قانون محدد من أجل حفظ الاتزان الكونى والإمساك بالأجرام السماوية فى أفلاكها ومنعها من الانفراط فى الفضاء أو الوقوع على بعضها البعض. ذلك أن الأجرام السماوية تتحرك تحت تأثير قوى جاذبة للربط بينها ، وقوى رافعة لحفظها من السقوط.
وحيث إن قوى التجاذب الرابطة من شأنها أن تقرب وتجمع بين الأجرام ، فى حين تعمل طاقة حركتها (المكتسبة من القوى الرافعة) على انطلاقها بعيدا عن أعماق الفضاء طبقا لخصائص تأثير القوى فى الأجسام ، فإن تقرير حفظ هذه الأجرام من السقوط على بعضها البعض واستمرار دورانها فى أفلاك ثابتة يستلزم بالضرورة العقلية أن يكون تأثير قوى التجاذب مساويا ومضادا (أى معادلا) لتأثير طاقة الحركة ، وتصير الأجرام بذلك