بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس :١٣ ـ ١٤).
وقوله عزوجل : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) (النمل : ٦٢).
ويقول أيضا : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) (فاطر : ٣٩).
ويقول سبحانه وتعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (ص : ٢٦).
ودون الدخول فى دائرة الخلاف حول تحديد هذا الإنسان ، المراد فى هذه الآيات ، أهو آدم عليهالسلام ، أو ذريته؟ ، كما تعرض لذلك العلماء والمفسرون (٥).
نقول ـ مع الشيخ محمد رشيد رضا ـ فى «تفسير المنار» : (٦).
(جرت سنة الله فى خلقه بأن تعلم أحكامه للناس وتنفذ فيهم على ألسنة أناس منهم يصطفيهم ليكونوا خلفاء عنه فى ذلك ، وكما أن الإنسان أظهر أحكام الله وسننه الوضعية (أى الشرعية ؛ لأن الشرع وضع إلهى) كذلك أظهر حكمه وسننه الخلقية الطبيعية ، فيصح أن يكون معنى الخلافة عاما فى كل ما ميز الله به الإنسان على سائر المخلوقات ، نطق الوحى ودل العيان والاختبار على أن الله تعالى خلق العالم أنواعا مختلفة ، وخص كل نوع غير نوع الإنسان بشيء محدود معين لا يتعداه.
وأما الإنسان فقد خلقه الله ضعيفا ، كما قال فى كتابه : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (النساء : ٢٨) وخلقه جاهلا كما قال تعالى :
(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (النحل : ٧٨) ولكنه على ضعفه وجهله عبرة لمن يعتبر ، وموضع لعجب المتعجب ؛ لأنه مع ضعفه يتصرف فى الأقوياء ، ومع جهله فى نشأته يعلم جميع الأسماء ، يولد الحيوان ، عالما بالإلهام ما ينفعه وما يضره ، وتكمل له قواه فى زمن قليل ، ويولد الإنسان وليس له من الإلهام إلا الصراخ بالبكاء ، ثم يحس ويشعر بالتدريج البطىء بالنسبة إلى غيره من الحيوان ، ويعطى قوة أخرى تتصرف بشعوره وإحساسه تصرفا يكون له به السلطان على هذه الكائنات ، فيسخرها ويذللها بعد ذلك كما تشاء تلك القوة الغريبة وهى التى يسمونها العقل ، ولا يعقلون سرها ، ولا يدركون حقيقتها وكنهها ، فهى التى تغنى الإنسان عن كل ما وهب