للحيوان فى أصل الفطرة من الكساء الذى يقيه البرد والحر ، والأعضاء التى يتناول بها غذاءه والتى يدافع بها عن نفسه ويسطو بها على عدوه ، وغير ذلك من المواهب التى يعطاها الحيوان بلا كسب ، حتى كان له بها من الاختراعات العجيبة ما كان ، وسيكون له من ذلك ما لا يصل إليه التقدير والحسبان.
فالإنسان بهذه القوة غير محدود الاستعداد ولا محدود الرغائب ولا محدود العلم ولا محدود العمل ، فهو على ضعف أفراده يتصرف بمجموعه فى الكون تصرفا لا حدّ له بإذن الله وتصريفه ، وكما أعطاه الله تعالى هذه المواهب والأحكام الطبيعية ليظهر بها أسرار خليقته ، وملكه الأرض وسخر له عوالمها ، أعطاه أحكاما وشرائع حدّ فيها لأعماله وأخلاقه حدّا يحول دون بغى أفراده وطوائفه بعضهم على بعض ، فهى تساعده على بلوغ كماله ؛ لأنها مرشد ومربّ للعقل الذى كان له كل تلك المزايا ؛ فلهذا كله جعله خليفة فى الأرض وهو أجدر المخلوقات بهذه الخلافة.
ظهرت آثار الإنسان فى هذه الخلافة على الأرض ، ونحن نشاهد عجائب صنعه فى المعدن والنبات ، وفى البر والبحر والهواء ، فهو يتفنن ويبتدع ويكتشف ويخترع ويجدّ ويعمل ، حتى غيّر شكل الأرض فجعل الحزن سهلا ، والماحل خصبا. والخراب عمرانا ، والبرارى بحارا أو خلجانا ، وولّد بالتلقيح أزواجا من النبات لم تكن كالليمون المسمى «يوسف أفندى» فإن الله تعالى خلقه بيد الإنسان وأنشأه بكسبه. وقد تصرف فى أبناء جنسه من أنواع الحيوان كما يشاء بضروب التربية والتغذية والتوليد ، حتى ظهر التغير فى خلقتها وخلائقها وأصنافها فصار منها الكبير والصغير ، ومنها الأهلى والوحشى ، وهو ينتفع بكل نوع منها ويسخره لخدمته كما سخر القوى الطبيعية وسائر المخلوقات ، أليس من حكمة الله الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى ، أن جعل الإنسان بهذه المواهب خليفته فى الأرض ، يقيم سننه ، ويظهر عجائب صنعه ، وأسرار خليقته ، وبدائع حكمه ، ومنافع أحكامه ، وهل وجدت آية على كمال الله تعالى وسعة علمه أظهر من هذا الإنسان الذى خلقه الله فى أحسن تقويم؟ .. كلا!!
تفضيل الإنسان
لا غرابة فى أن يكون هذا المخلوق محفوفا بالعناية الربانية ، التى ترفع من قدره ، وتعلى منزلته بين الكائنات جميعها ، وتفضله على ما عداه من مخلوقات الله تعالى الأخرى.
فهذه هى الملائكة ، الذين أخبر الله عنهم