فهذه هى الملائكة ، الذين أخبر الله عنهم بأنهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (التحريم : ٦) والذين قال عنهم رب العزة : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (الزمر : ٧٥).
نعم هذه الملائكة يأمرها الله تعالى بالسجود لهذا الإنسان (آدم عليهالسلام) سجود تحية وتعظيم ، وفى هذا من التكريم والإنعام على الإنسان والتفضيل ما فيه.
بل يصرح القرآن الكريم بهذا الإنعام الإلهى على الإنسان ؛ حيث يفضله على كثير ممن خلق الله سبحانه وتعالى ، يوضح ذلك قوله عزوجل : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء : ٧٠).
الغاية من خلق الإنسان
إن عملية الخلق هذه ـ كما عرفنا ـ آية من آيات الله ، لا يمكن أبدا أن تكون عارية عن غاية كبرى ، ومقصد أسمى ، فلم يخلق هملا ولا عبثا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) (المؤمنون : (١١٥).
إنما يحدد الهدف من هذا الخلق قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : ٥٦).
ولأن عبادة الإنسان لله أمر محفوف بالمعوقات ، والابتلاءات كان توضيح ذلك لتنبيه الإنسان ، وتبصيره وزيادة وعيه ، حتى يكون ثابت الخطو فى عبادة الله عزوجل ، حيث يقول تبارك وتعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان : ٢ ـ ٣).
ومن هذا التوضيح الإلهى يظهر (٧) :
أ ـ أن الابتلاء بظروف الحياة ، وكثرة المعوقات أمر قدره الله تعالى على الإنسان ، يكشف به قوة إرادته ، ومضاء عزيمته ، وثبات خطوه فى طريق العبادة.
ب ـ وأن الله ـ عزوجل ـ منحه وسائل المعرفة التى يتعرف بها على الأدلة التى بثها الله فى كونه فيزداد بها إيمانا ويقينا بالله ، كما يتعرف بها على وصايا الشرع وأحكامه فيعمل بها ، ويلتزم بآدابها ، ويتعرف على المعوقات التى تحول بينه وبين حسن العبادة ، فيتغلب عليها ويتخلص منها.
وذلك فى قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً).