وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام : ١٦١ ـ ١٦٣).
وأما غير المؤمن : فمن العجيب أنه لا يفر من تدينه ، وإن كان لا يتمسك بأهدابه ، بل ينكره فى سرائه ، ولا يذكره إلا فى ضرائه ، بل يهتف ساعتها بلسان حاله ومقاله : (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (يونس : ٢٣).
ذلك أنهم : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت : ٦٥).
وهكذا : لا تظهر فطرتهم ، ولا يبرز تدينهم إلا عند الشدائد ، وساعتها فقط ، وأما قبل الشدائد وبعدها فهم جاحدون مستكبرون عبيد لأهوائهم وشياطينهم.
يقول سبحانه وتعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس : ٢٢ ـ ٢٣).
وبهذا : فالتدين فطرة فى الإنسان ، وخاصية من خصائصه يسعد به من هداه الله ، فيظهر عليه ، ويعيش فى رحابه ، ويحيا على آدابه ، ويخفيه ، بل يقاومه من لم يهده الله ، فلا يظهر عليه ، ولا يعيش فى رحابه ، ولا يعرف آدابه ، ولا ينطق به إلا وقت الشدائد ، يوم لا ينفع نفسا تدينها ولا إيمانها ، ويصيرون كمن (إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فيهزأ الله منه ، ولا يقبل إيمانه ؛ حيث يقول له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس : ٩١) بل يصيرون ضمن من قال ـ عزوجل ـ عنهم :
(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)) (غافر : ٨٤ ـ ٨٥).
* ناطق :
ميز الله ـ عزوجل ـ الإنسان بخاصية النطق والتكلم دون باقى المخلوقات ، حيث أقسم سبحانه بنفسه على أن أرزاق العباد فى السماء ، ثم أكده بأمر واضح للإنسان ، ونعمة خاصة به ، وهى : النطق ، إذ قال : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِ