لامتحان الناس وابتلائهم ، وليس لتكريمهم (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ).
بعد هذا التزهيد فى زهرة الحياة الدنيا قال تعالى : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى).
وفى هذا توجيه صاعد لما هو خير حقيقى باق ، وهو رزق الله للمتقين والأبرار والمحسنين ، فى جنات النعيم ، وفى الدنيا بسعادة الروح وراحة الفؤاد.
الأساس الرابع ـ إيجاد الحافز الذاتى :
الحافز الذاتى هو القوة الداخلية فى الإنسان ، المحركة لعواطفه ، والموجهة لإرادته ، والدافعة له حتى يمارس سلوكا معينا داخليا أو خارجيا ، وعن طريق تكرار ممارسة هذا السلوك تتكون العادة النفسية الباطنة ، أو العادة الجسدية الظاهرة ، فإذا كان هذا السلوك من نوع السلوك الخلقى كان خلقا مكتسبا ، وكان المؤثر الأول فى اكتسابه هو إيجاد الحافز الذاتى لدى مكتسبه.
ولإيجاد الحافز الذاتى عدة طرق ، منها الطرق التالية :
١ ـ طريق الإيمان بالله واليوم الآخر وبقضاء الله وقدره :
فمتى بنيت القاعدة الإيمانية الإسلامية فى أعماق كيان الإنسان استطاعت هذه القاعدة أن تهيمن على فكره وقلبه وعواطفه وإرادته ، وأن تعمل على ربط إرادته بما يرضى الله تعالى ، ولا يخفى ما للإرادة الحازمة فى الإنسان من تأثير على مراكز الخلق فى نفسه ، وقدرة على التحكم فى أنواع سلوكه.
إن تركيز القاعدة الإيمانية الإسلامية فى الكيان الداخلى للإنسان يرتبط به اليقين المهيمن بأنه لا حكم إلا لله ، وبأن الله لا يأمر إلا بالخير ، ولا ينهى إلا عن الشر ، وبأن مصلحة الإنسان مرتبطة بفعل ما يأمر الله به ، وترك ما ينهى الله عنه. ويرتبط به أيضا اليقين بأن الله تعالى يجازى على الخير خيرا وعلى السوء سوءا ، وفق قانون الحق والعدل والفضل الربانى ، ويرتبط به أيضا اليقين بأن الله تعالى لا يجرى فى مقاديره لعباده إلا ما هو خير لهم ، فالمؤمن يقابل مقادير الله بالرضا والتسليم فيصبر ، ولا يغضب ولا يضجر ، ولا يحسد ولا يستكبر ، وهكذا.
فالحافز الذاتى الذى يولده الإيمان بالله واليوم الآخر وبقضاء الله وقدره حافز مؤثر وفعال جدا فى دفع كل فرد مؤمن إلى فعل الخير والالتزام به ، إنه حافز محرك ودافع وحارس ورقيب ذاتى ، يصاحب الإنسان الذى يملك وعيه مصاحبة دائمة ، فهو معه فى جميع أوقاته ، وفى جميع أحواله ، إذا كان بين الناس وإذا كان فى خلواته ، إذا كان منكشفا فى الأضواء وإذا كان مستترا فى الظلمات ،