الأساس الثانى ـ التوجيه والتحويل :
إنه ما من طبع من الطبائع الفطرية إلا يحتاج إليه فى جانب من جوانب الخير ، أو فى طريق من طرق الخير ، وعمليات التوجيه والتحويل تكون بتعليق رغبات المقصود بالتربية فى جانب من جوانب الخير ، أو فى طريق من طرق الخير ، وبمحاولة امتصاص شحنات هذا الطبع كلّها أو بعضها فيما وجهت إليه وعلقت به.
ومن أمثلة ذلك : أن نأخذ إنسانا ذا طمع مفرط فى متاع الحياة الدنيا وزينتها ، ثم نملأ قلبه إيمانا بالله واليوم الآخر ، وبما فى اليوم الآخر من جنة ونعيم مقيم ، ثم نعمل على توجيه طمعه وتحويله إلى ما عند الله من أجر عظيم ، ثم نجرى عمليات تعليق شحنات ما لديه من طمع بذلك ، فتنصرف نفسه إليه انصرافا كليا أو جزئيا ، وبذلك ينفك شيئا فشيئا عن التعلق بمطامع الحياة الدنيا ، طلبا لما هو أجلّ وأعظم ، وعندئذ فقد نجده زاهدا قنوعا ، أو غير مفرط فى الطمع.
وبهذا التحويل الكلى أو الجزئى يعتدل طبعه ، ويتكون لديه خلق فاضل ، ومع ذلك نلاحظ أن الطمع لم تقتلع جذوره من نفسه ، ولكن جرى فيه تحويل إلى ما هو خير.
وهكذا نستطيع أن نمارس خطة التوجيه والتحويل فى كثير من الطبائع الفطرية.
الأساس الثالث : التصعيد :
وهو نوع من تحويل الطبع ، أو تحويل التطلع الإنسانى ، عن الصغائر والدنايا ، وتوجيهه لمعالى الأمور ، ولما فيه سعادة خالدة أو مجد حقيقى ، ولما فيه كمال ، ورفعة بين الناس ، وكمال ورفعة عند الله.
ومن وسائل التصعيد التشويق والتحبيب ، والتحسين والتزيين ، والممارسة ، ووضع الإنسان فى خبرات عملية يذوق فيها حلاوة ما يراد تصعيده إليه ، ولكن بدون إرهاق منفر ، ولا تكاليف شاقة مضنية ، باستثناء أفراد نادرين يستعذبون المشقات فى أصل طباعهم ، ولا يميلون إلى الأمور السهلة الخفيفة.
ومن التربية بالتصعيد قول الله ـ عزوجل ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم :
(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) (طه : ٢٠). أزواجا منهم :
أصنافا منهم.
فأبان الله تعالى أن كل ما يتمتع به الناس فى الحياة الدنيا هو فى واقع حاله كالزهرة ، ومن صفات الزهرة أنها تغرى ولكنها قصيرة العمر سريعة الذبول والفناء ، فالعاقل يبحث عن نعيم حقيقى باق. وهو أيضا مادة