بتمام التوبة ، وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد ، وهو معذور فى كراهة الموت ، ولا يدخل هذا تحت قوله صلىاللهعليهوسلم : «من كره لقاء الله كره الله لقاءه» (٢٤). فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء الله ، وإنما يخاف فوت لقاء الله لقصوره وتقصيره ، وهو كالذى يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلا بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه ، فلا يعد كارها للقائه ، وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له ، لا شغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك فى الدنيا.
وأما العارف : فإنه يذكر الموت دائما لأنه موعد لقائه لحبيبه ، والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب ، وهذا فى غالب الأمر يستبطئ مجىء الموت ، ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين.
كما روى عن حذيفة : أنه لما حضرته الوفاة قال : حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم ؛ اللهم إن كنت تعلم أن الفقر أحب إلىّ من الغنى والسقم أحب إلىّ من الصحة ، والموت أحب إلىّ من العيش فسهل علىّ الموت حتى ألقاك.
فإذن : التائب معذور فى كراهة الموت.
وهذا معذور فى حب الموت وتمنيه.
وأعلى منهما رتبة : من فوّض أمره إلى الله تعالى فصار لا يختار لنفسه موتا ولا حياة ، بل يكون أحب الأشياء إليه أحبها إلى مولاه ، فهذا قد انتهى بفرط الحب والولاء إلى مقام التسليم والرضا وهو الغاية والمنتهى (٢٥).
* حقيقة النهاية :
وقد ظن الملاحدة : أن الموت انتهاء مسار رحلة الإنسان ، والخاتمة الأبدية له ، حيث لا رحلة بعده ، ولا حياة ولا بعثا ولا نشورا (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (الأنعام : ٢٩).
وأما الحقيقة التى غابت عنهم وغابوا عنها ، والتى عرفها المسلمون من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلىاللهعليهوسلم لهذه النهاية :
أنها انتقال من عالم من عوالم الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلى عالم آخر من عوالمه ـ عزوجل.
انتقال من دار الدنيا إلى دار البرزخ ، تمهيدا للوصول إلى الدار الآخرة.
انتقال من دار الزرع إلى دار الحصاد ، من دار الفناء إلى دار البقاء.
انتقال من دار التكليف والعمل الدنيوى ، إلى دار الثواب والعقاب الأخروى (٢٦).
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة : ٧ ، ٨).