لكن الراهب سان بيير (١٦٥٨ ـ ١٧٤٣) رأى ضرورة تثقيف المرأة وأراد أن تنشأ للنساء معاهد قومية ومدارس تعليم ثانوي ، وأن تحبس الفتيات في مدارس داخلية ، لا تعرف أيام العطل ، ورجا الحكومة أن تهيء دروسا عامة لتلك النسوة اللائي يكون نصف الأسر (٨).
أما الإسلام قد أعلن مبدأ المساواة ، وجعل التربية حقا للناس أجمعين ، وجعل العلم فرضا على المسلمين. ولقد نص علماء التربية الذين تأثروا بهذا المنهج على وجوب المساواة بين الطلبة ، ونهوا عن تفضيل بعضهم على بعض ، قال الشيخ عبد الباسط العلموي : (ولا يظهر الشيخ للطلبة تفضيل بعضهم على بعض ، لا سيما إذا تساووا في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل ديانة. فترجيح بعضهم على بعض مما يوغر الصدور. فإذا ظهرت فضيلته يثني عليه في حد ذاته من غير تصريح بأن فلانا أفضل من فلان) (٩).
وكان علماؤنا لا يخصون أحدا من الناس بعلم دون غيره لوجاهته وشرفه ؛ فقد طلب الأمير أبو أحمد الموفق من أبي داود السجستاني أن يروي لأولاده كتاب السنن ، وأن يفرد لهم مجلسا للرواية ، لأن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة! فقال أبو داود : " أما هذه فلا سبيل إليها ، لأن الناس شريفهم وو ضيعهم في العلم سواء"(١٠)
وفي هذا المعنى نظم الشاعر :
علم العلم من أتاك لعلم |
|
واغتنم ما حييت منه الدعاء |
وليكن عندك الغني إذا ما |
|
طلب العلم والفقير سواء |
ولم تكن عناية هذا المنهج قاصرة على العقل دون الجسم ، أو على الجانب الروحي دون المادي من حياة الإنسان ، بل هي شاملة لكل كيانه وجوانب حياته ، وهذا الشمول والتكامل ليس له وجود في غير هذا المنهج القويم.
ثم هو لا يسعى لتوجيه الناس وجهة تضيق عن استعداداتهم وتقصر عن تطلعاتهم ، ولا يصب الجميع في قوالب جامدة تجعلهم يشعرون بالضيق والحرج ؛ فالحرج مرفوع من هذا الدين : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). (١١)
وأحكامه سهلة لا عسر فيها : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١٢) ومنهجه التربوي يوجه الناس نحو ما يناسبهم ويتفق مع قدراتهم من الأعمال الفكرية والجسمية ويأخذ بيد الجميع نحو ما فيه صلاحهم وسعادتهم ، فيتحقق التكامل فيما بينهم. ، ويجعلهم يتسابقون لفعل الخير :