وكان الرومان يعدون أبناء الأشراف للحياة الحديثة أو لوظائف الدولة ، ويوجهون أبناء الفقراء توجيها مهنيا للعمل في الصناعة أو التجارة. ثم أصبحت التربية في القرون الأخيرة لعصر الإمبراطورية الرومانية مقصورة على الطبقة العليا وحدها. ولم تكن التربية حينئذ تقدر على أساس أنها تدريب للشعب عامة ، بل على أساس أنها حلية وشرف لطائفة معينة.
وبقيت التربية العالية وقفا على رجال الكنيسة وأبناء الطبقات العليا في أوربا طيلة العصر الوسيط ، واستمرت التفرقة بين الطبقات إلى عصر النهضة ، حتى إن جماعة اليسوعيين الذين انتشرت مدارسهم منذ منتصف القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر لم يعنوا بتربية الطبقة الدنيا من الناس ، وكان هدفهم أن يكونوا عددا من الزعماء ، والأشخاص اللبقين المحببين إلى المجتمع ،. وكانوا يعتبرون جهل الشعب خير حام لعقيدته ، ويقولون :
(ينبغي ألا يعلم القراءة والكتابة أحد ممن يستخدمون في الأعمال المنزلية لدى الجماعة ، وإذا علمهما فعليه ألا يزداد علما بهما. وينبغي ألا يعلم إلا بعد موافقة القائد ، إذا حسبه أن يخدم في بساطة وتواضع المسيح سيدنا).
وفي سنة ١٧٧٤ أسس" بزداو" في" دساو" بألمانية معهدا أطلق عليه اسم" المنشأة الإنسانية" كان غرضه تعليم الغني والفقير على السواء. ولكنه كان يهيء الأول للنشاط الاجتماعي وللزعامة الاجتماعية ، ويعد الثاني ليصبح معلما.
وكانت المرأة محرومة من أي ثقافة في بلاد الهند قديما ، وكانت مرتبطة بالرجل ارتباطا مطلقا.
وبقيت كذلك في أوربا إلى العصر الحديث ، حتى إن" مونتيني" رأى أن تبقى المرأة في الجهالة ، بحجة أن الثقافة تسيء إلى مفاتنها الطبيعية ، ومنعها من دراسة البلاغة لأنها تعني في نظره (أن نكسو جمالها جمالا غريبا مجلوبا). ورأى أن على النساء أن يقنعن بالمزايا التي يحققها لهن جنسهن ؛ فبالعلم الفطري الذي يملكنه يستطعن أن يدرن مديري المدارس ، وأن يقدنهم بالعصا.
وكذلك" فينيلون" الكاتب الفرنسي الذي ألف رسالة" تربية الفتيات" عام ١٦٨٠ لم يطالب المرأة بتعلم غير ما يتلاءم مع مهمتها المنزلية. ورأى أن الدراسات التي لا جدوى فيها تجعل منها عالمة مضحكة.