بحيث يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم الوسواس بالعدوى فيما لم تثبت فيه من الأمراض التي تنتقل من المريض إلى الصحيح بالمخالطة.
والطيرة هي التشاؤم. وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير ، فإذا خرج أحدهم لأمر ، فإن رأى طيرا طار يمنة تيمن به واستمر ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع.
وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها فجاء الشرع بالنهي عن ذلك.
وكانت العرب في الجاهلية تقول : إذا قتل الرجل ولم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة ـ وهي دودة ـ فتدور حول قبره فتقول : اسقوني اسقوني ، فإن أدرك بثأره ذهب وإلا بقيت.
وقال القزاز : (الهامة طائر من طير الليل). كأنه يعني البومة. وقال ابن الأعرابي : (كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم فيقول : نعت إلى نفسي أو أحدا من أهل داري). فأبطل الإسلام ذلك ، ومنع الشؤم بالبومة ونحوها.
وكانت العرب تحرم شهر صفر وتستحل شهر المحرم ، فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه. والصفر أيضا داء يأخذ البطن ، أو حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس ، وهي أعدى من الجرب عند العرب فالمراد بنفي صفر ما كانوا يعتقدونه فيه من العدوى (٤١).
ولقد احترم هذا المنهج إرادة الإنسان ، وجعله حرا في عقيدته وعبادته وتصرفاته ونظام حياته ، ولم يقسره على الإيمان بخالقه ، وإنما خاطبه بالدليل وأرسل إليه الرسل ليكون مؤمنا بدون اكراه ومهتديا بدون إجبار.
ولكن الإنسان يعجز عن التفكير في ذات الله سبحانه ، لأن فكره لا يستطيع أن يخرج من نطاق البيئة التي يعيش فيها ، وخياله يعجز عن تصور ما لا يراه. والله سبحانه يختلف عن الأشياء كلها :
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (٤٢)
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). (٤٣)
ثم إن الإنسان مسؤول عن عمله ومجزي على فعله.
وهكذا يجمع هذا المنهج بين استعداد الإنسان للسلبية والإيجابية ، فيجعل السلبية في خضوعه لله تعالى ، والإيجابية في علاقته بالكون ، بدون أن يذل أو يطغى.