النباتات التي تستمد عناصرها من الطين ، أو من الحيوانات التي تتغذى بالنباتات ، وتتركب منها لحومها وألبانها. وكذلك الروح لا تستغني عن الغذاء ، وغذاء الروح هو المناسب لطبعها والملائم لجوهرها. ولا يعلم ما يناسبها ويلائمها إلا الله الذي أودع الروح في الإنسان. ومن رحمة الله بعباده أنه لم يتركهم يتخبطون في هذه الأرض ، ويضلون في أرجائها ، وإنما أنزل إليهم ما يهديهم سواء السبيل ، ويقيهم من الغواية والضلال. قال سبحانه :
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (١٤٣) وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى). (١٤٤)
ولقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يجعل ما يصلح الجسد معروفا للناس ، وفي أنفسهم دافع قوي للحصول عليه. أما ما يصلح الروح فهو غامض ومعقد ، يحتاج إلى علم وبصيرة لكشفه والانتفاع به ومن خبثت نفسه لا يطلبه ولا يحرص عليه بل يعرض عنه وينفر منه. ولذلك جعل الله الناس يضربون في الأرض ويأكلون من رزقه ، وأرسل الرسل وأنزل عليهم الوحي الذي يصلح الأرواح ويسعد الأحياء.
والتربية الروحية تعني ما يؤدي إلى تهذيب النفس وسمو الإنسان والتحلي بالفضائل والبعد عن الرذائل.
ويكون ذلك بالعقيدة والعبادات والأخلاق الحميدة وهو موضوع الفصل التالي.
* * *