وعبادة الأصنام تدل على أن الإنسان لا يستغني عن إله يعبده ويتقرب إليه ، فإذا لم يعبد الإله الحق عبد آلهة زائفة ، وإذا لم يهتد إلى العبادة الصحيحة قام بطقوس يعتبرها عبادة.
والكفر عارض في تاريخ البشرية ، والإيمان هو الأصل وكلمة الكفر نفسها تدل على وجود الله ، لأنها بمعنى التغطية ، فهي محاولة لإخفاء شيء موجود ، ولو كشف الغطاء لظهر وجوده لكل ذي بصيرة ، وكل شيء غطى شيئا فقد كفره ، ومنه سمي الكافر لأنه يستر نعم الله عليه. والكافر الزارع لأنه يغطي البذر بالتراب والكفار : الزراع (٢٢)
٣ ـ دليل الوجود :
إن وجود هذا الكون الذي نعيش فيه يدل على وجود الله عزوجل ذلك أن الكون وما فيه من مجرات وشموس وكواكب لم يكن موجودا من الأزل وإنما وجد من العدم. ولقد كان الفلاسفة المسلمون يستدلون على ذلك بما يطرأ على الكون من تغير وتبدل ، وبما أن كل متغير حادث ؛ لأن القديم يبقى على حال واحدة ، فالكون حادث مخلوق. قال الإمام الغزالي رحمهالله :
«كل جسم فلا يخلو عن الحوادث ، وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ، فيلزم منه إن كل جسم فهو حادث إذ لا يستريب عاقل قط في ثبوت الأعراض في ذاته من الآلام والأسقام والجوع والعطش وسائر الأحوال ولا في حدوثها ، وكذلك إذا نظرنا إلى أجسام العالم لم نسترب في تبدل الأحوال عليه ، وأن تلك التبديلات حادثة (٢٣)».
والعلماء في هذا العصر متفقون على حدوث الكون ، ويحسبون عمره بما يتراوح بين خمسة آلاف إلى عشرين آلف مليون سنة. وتعليل وجوده لا يتعدى ثلاثة افتراضات هي :
أ ـ وجد بدون موجد : وهذا الافتراض لا يقبله عقل ، لأن المادة تتصف بالعطالة فلا توجد بدون موجد ، ولا تتحرك بدون محرك. وقانون السببية الذي هو من بديهيات العقل ، يجعل الإنسان يسأل عن موجد الكون ، ولا يصدق بإمكان وجوده بدون موجد.
ب ـ أوجد نفسه بنفسه : وهذا الافتراض لا يقل في تهافته عن السابق ، لأن المعدوم لا وجود له ، فلا يمكن أن يوجد نفسه ، ولا بد له من موجد.
ج ـ هناك قدرة عظيمة أوجدت الكون. وصاحب هذه القدرة لا يمكن أن يكون أحد أجزاء هذا الكون ، لأن الإنسان أعظم الكائنات لا يستطيع أن يوجد ذرة رمل من العدم فضلا عن خلق نفسه وخلق هذا الكون الهائل.