وقد خطر لي أن أقوم بهذا الجهد منذ أكثر من عشر سنين ، وكنت أتهيب القيام به لخشيتي من التقصير في الإحاطة بذلك المنهج ، أو العجز عن التعبير عنه بوضوح يتناسب مع بيان القرآن وبلاغته. ورغبت في أن يكفيني غيري من المربين والأدباء هذه المهمة العسيرة ، فلم أجد من أحسن القيام بها ؛ لأن القرآن الكريم لا يستطيع أن يفهم مقاصده وأغراضه ، وأن يتكلم ويكتب في موضوعاته إلا من تفيا طويلا في ظلاله ، وعاش مع وقائعه وأحكامه ، وتمكن من حفظ آياته ، وثابر على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، وتلقى العلم عن العلماء الراسخين ، وقرأ أمهات كتب التفسير ، وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب ، وكان أديبا سهل العبارة ، ملما بضروب الإعجاز وأطراف البلاغة.
وبجانب القرآن الكريم توجد السنة النبوية ، وهي مبينة لمعانيه ، ومتممة لأحكامه. وهي مثله تحوي على منهج تربوي قويم ، ولا ريب في ذلك ، فقد كان الرسول صلىاللهعليهوسلم أعظم المربين وأكبر المصلحين ؛ ربى أمة بكاملها على أسس سليمة ومبادئ قويمة فكانت خير أمة أخرجت للناس. قال الله عزوجل :
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) سورة آل عمران : (١٦٤).
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الجمعة ٢ ولذا يجب على من يحاول استخراج منهج القرآن في التربية أن يرجع إلى السنة ليكتمل عمله ، وتعظم الفائده منه.
فإذا تمكنت من عرض هذا المنهج وتوضيحه فالفضل في ذلك لله وحده. وإن أخطأت أو قصرت فمن نفسي. ويشفع لي حرصي على الحق وإخلاصي في طلبه وبذلي الجهد للوصول إليه.
والله أسال أن يعنيني على إتمام هذا العمل ، وأن يثيبني عليه ، وأن يثيب كل من ساهم فيه واطلع عليه واستفاد منه.
|
عمر أحمد عمر |