أصل الدين ؛ ولذلك صار علم الكلام أشرف العلوم ؛ لأنّ كلّ ما كان موضوعه أشرف فهو أشرف. ألا ترى أنّ علم الجوهر أشرف من علم الدّباغة وصنعة النعال؟ وذلك ظاهر.
الثالثة : أنّ معرفة حقيقة ذاته المقدّسة ، على ما هي عليه ، غير مقدورة للأنام ؛ وذلك لأنّ العلم إمّا ضروريّ أو كسبيّ وكلاهما هنا منفيّ.
أمّا الضروريّ فظاهر ، خصوصا وقد وقع فيها النزاع والتشاجر ومع ذلك فإنّ المعلوم ضرورة إمّا بمجرّد توجّه العقل إليه أو بأدنى تنبيه وهما منفيّان هنا ، أو بمشاركة حسّ ظاهر أو باطن بتكرار أولا ، وذلك أيضا منفيّ هنا ؛ لكونه غير محسوس.
وأمّا الثاني ، فلأنّ كلّ كسبيّ لا بدّ له من كاسب ، وهو في باب التصوّرات التعريف بالحدّ أو الرسم ، وهما أيضا منفيّان.
أمّا الحدّ ، فلأنّ تامّه يكون بالجنس والفصل القريبين ، المستلزم لتركّب الماهيّة ، المستحيل ذلك على الذات المقدّسة. وكذا ناقصه إذ لا بدّ فيه من الجنس ، ولا جنس له ، فلا حدّ له.
وأمّا الرسم بقسميه ، فلأنّه تعريف بالخارج ، وظاهر أنّه لا يفيد الاطّلاع على الحقيقة. ولأجل هذا الامتناع صرّح صاحب شريعتنا صلىاللهعليهوآله بقوله : «يا من لا يعلم ما هو إلّا هو» (١). والكليم عليهالسلام لمّا سأله فرعون عن الذات بإيراد ما في السؤال بقوله : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) ، أجاب بالصفات تنبيها له على استحالة ذلك ، وإنّه غالط في قوله أو مغالط فقال : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٣). فاستوخم الجواب ورجع إلى إنظاره في جهله فقال : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) (٤)؟! أسأله عن الحقيقة فيجيبني بالصفات! فعاد الكليم إلى جوابه بما هو أظهر دلالة على وجود الربّ فقال : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٥). أي منشئكم وموجدكم ؛ فإنّ ذلك أظهر عندهم من كونه موجدا لجملة هذا
__________________
١ ـ ينظر : البحار ٩٥ : ٣٩٤ ، دعاء المشلول.
٢ ـ الشعراء / ٢٣.
٣ ـ الشعراء / ٢٤.
٤ ـ الشعراء / ٢٥.
٥ ـ الشعراء / ٢٦.