الأولى : أنّ هذا القدر المذكور ـ أي المذكور في المباحث المتقدّمة من ذكر صفاته السلبيّة والثبوتيّة ـ كاف في القيام بالواجب من المعرفة ؛ فإنّه لمّا دلّ دليل وجوبها من كونه منعما فيجب شكره المستلزم ذلك لوجوب معرفته ، ليقوم المكلّف بشكره على قدر الممكن ممّا يليق بكماله لم يستلزم ذلك أكثر من معرفته بما تقدّم ؛ فإنّ التصديق لا يشترط في تحقّقه معرفة المحكوم عليه وبه بكنه الحقيقة ، بل بوجه ما خصوصا مع امتناع ذلك كما يجيء بيانه ؛ فإنّا نحكم على شبح نراه من بعيد بأنّه شاغل للحيّز مع جهلنا بحقيقته ، فلا جرم لم يتيسّر في علم الكلام التجاوز إلى أكثر من ذلك.
وعلم الكلام عرّفه بعضهم بأنّه : علم يبحث فيه عن ذات الله تعالى وأحوال الممكنات من حيث المبدأ والمعاد على قانون الإسلام (١). واحترز بقيد «على قانون الإسلام» عن الفلسفة الإلهيّة ، فإنّها يبحث فيها عن ذات الله وأحوال الممكنات لا على قانون الإسلام بل على قواعد الحكماء.
وقيل : هو علم يبحث فيه عن الأعراض الذاتيّة للموجود من حيث هو هو على قاعدة الإسلام (٢). فموضوعه على الأوّل : ذات الله تعالى وذات الممكنات. وعلى الثاني : الموجود من حيث هو هو.
الثانية : أنّ معرفة الله تعالى أعظم أصل من اصول الدين. واصول الدين عندنا هي التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، فهي حينئذ أربعة. يدخل في مباحث التوحيد بحث الذات والصفات ، وفي مباحث العدل وجوب التكليف واللطف والثواب والعقاب والمعاد وغيرها ، وفي بحث النبوّة وجوب اعتقاد اصول الشريعة وأحوال القيامة وكيفيّاتها وغير ذلك ، وفي الإمامة وجوب حفظ التكليف والشريعة في كلّ زمان. وإن شئت قلت : معرفة الله تعالى هي أصل الدين بالحقيقة ؛ لأنّ ما عداها كلّه من لوازمها وتوابعها ، فتكون هي
__________________
١ ـ علم الكلام علم يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام. والقيد الأخير لإخراج العلم الإلهيّ للفلاسفة ، وموضوعه ذات الله ؛ إذ يبحث فيه عن أعراضه الذاتيّة. التعريفات ، للشريف الجرجانيّ : ٨٠ ، جامع العلوم ٣ : ١٣٢.
٢ ـ قال التفتازانيّ في شرح المقاصد : المتقدّمون من علماء الكلام جعلوا موضوع علم الكلام : الموجود بما هو موجود ؛ لرجوع مباحثه إليه. ويتميّز عن الإلهيّ بكون البحث فيه على قانون الإسلام. شرح المقاصد : ١١.