__________________
قال شيخنا (أي الشهيد) : وهذه الثلاثة من السوانح (أي من عوارض فكري).
الرابع : ما قاله بعض العلماء : إنّ خلود المؤمن في الجنّة إنّما هو بنيّته أنّه لو عاش أبدا لأطاع الله أبدا. وخلود الكافر في النار بنيّته أنّه لو بقي أبدا لكفر أبدا.
الخامس : ما حكاه المرتضى رحمهالله ، أنّ المراد أنّ نيّة المؤمن بغير عمل خير من عمله بغير نيّة. وأجاب عنه بأنّ أفعل التفضيل يقتضي المشاركة ، والعمل بغير نيّة لا خير فيه فكيف يكون داخلا في باب التفضيل؟! ولهذا لا يقال : «العسل أحلى من الخلّ».
السادس : أنّه عامّ مخصوص أو مطلق مقيّد ، أي نيّة بعض الأعمال الكبار ـ كنيّة الجهاد ـ خير من بعض الأعمال الخفيفة كتسبيحة أو تحميدة أو قراءة آية ، لما في تلك النيّة من تحمّل النفس المشقّة الشديدة والتعرّض للغمّ والهمّ الذي لا يوازيه تلك الأفعال. وبمعناه قال المرتضى نضّر الله وجهه ، قال : وأتى بذلك لئلّا يظنّ أنّ ثواب النيّة لا يجوز أن يساوي أو يزيد على ثواب بعض الأعمال. ثمّ أجاب بأنّه خلاف الظاهر ؛ لأنّ فيه إدخال زيادة ليست في الظاهر. قال شيخنا المصنّف : المصير إلى خلاف الظاهر متعيّن عند وجود ما يصرف اللفظ إليه ، وهو هنا حاصل ، وهو معارضة الخبرين السالفين. فيجعل ذلك جمعا بين هذا الخبر وبينهما.
السابع : للمرتضى أيضا ، أنّ النيّة لا يراد بها التي مع العمل ، والمفضّل عليه هو العمل الخالي من النيّة. وهذا الجواب يرد عليه النقض السالف ، مع أنّه قد ذكره كما حكيناه عنه.
الثامن : له أيضا ، أنّ لفظة «خير» ليست التي بمعنى أفعل التفضيل ، بل التي هي موضوعة لما فيه منفعة ، ويكون معنى الكلام أنّ نيّة المؤمن من جملة الخير من أعماله ، حتّى لا يقدّر مقدّر أنّ النيّة لا يدخلها الخير والشرّ كما يدخل ذلك في الأعمال. وحكى عن بعض الوزراء استحسانه ، لأنّه لا يرد عليه شيء من الاعتراضات.
التاسع : له أيضا ، أنّ لفظة أفعل التفضيل قد تكون مجرّدة عن الترجيح ، كما في قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً). (الإسراء / ٧٢.) ، (أمالي المرتضى ٢ : ٣١٥).
فإن قلت : فقضيّة هذا الكلام أن يكون في قوّة قوله : النيّة من جملة عمله ، والنيّة من أفعال القلوب فكيف يكون عملا؟
لأنّه يختصّ بالعلاج. قلت : جاز أن يسمّى عملا كما جاز أن يسمّى فعلا ، أو يكون إطلاق العمل عليه مجازا.
العاشر : ما أجاب به ابن دريد ، وهو أنّ المؤمن ينوي الأشياء من أبواب الخير كالصدقة والصوم والحجّ ، ولعلّه يعجز عنها أو عن بعضها ، ويؤجر على ذلك ، لأنّه معقود النيّة عليه.
الحادي عشر : جواب الغزاليّ ، بأنّ النيّة سرّ لا يطّلع عليه إلّا الله تعالى ، وعمل السرّ أفضل من عمل الظاهر.
الثاني عشر : أنّ وجه تفضيل النيّة على العمل أنّها تدوم إلى آخره حقيقة أو حكما ، وآخر العمل لا يتصوّر فيها الدوام ، بل يتصرّم شيئا فشيئا.
الثالث عشر : لشيخنا رحمهالله ، أنّ النيّة لمّا كانت لا تقف عند حدّ ، بل هي مستمرّة بالنسبة إلى جميع الأوقات وجميع الأعمال وجميع التروك فكانت خيرا من العمل الذي يقع حينا ما ، ولهذا قال الصادق عليهالسلام : «يحشر الناس يوم القيامة على نيّاتهم». قال : وهذا أجود الوجوه. والله أعلم. (القواعد والفوائد ١ : ١١٠).