٢ ـ لحوقه بهولاكو : كان الغزو المغوليّ الثاني بقيادة هولاكو أشدّ ضراوة من الغزو الأوّل ، والقلاع الإسماعيليّة التي قاومت زحف جنكيز لم تستطع أن تثبت أمام هولاكو ، واستسلم ركن الدين خورشاه بإيماء الطوسيّ. وبذلك انقرضت دولة الإسماعيليّين في إيران ، وأمسى الخواجة في قبضة هولاكو ، ولم يملك لنفسه الخيار في صحبته ، فانتهز الفرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث الإسلاميّ المهدّد بالزوال ، وإنقاذ جمع كثير من العلماء من القتل بيد المغول.
وعلى هذا المقصد العظيم أثّر الخواجة تأثيره في هولاكو وصار من أمنائه حتّى فوّض إليه أمر الأوقاف ، فقام بضبطها وجعلها تحت رعايته الخاصّة ، وولى عليها في كلّ بلد رجلا ذا كفاية ، وأوفى معيشة الفقهاء والمدرّسين والمحتاجين ، وبنى مرصدا عظيما بمراغة ، وجمع حوله من العلماء أفضل أهل زمانهم ، منهم مؤيّد الدين بن برمك بن مبارك العرضي الدمشقيّ ، ونجم الدين عليّ بن عمر بن عليّ القزوينيّ المعروف ب «الكاتبيّ» ، وفخر الدين المراغيّ ، وفخر الدين الأخلاطيّ ، وكتب نتيجة الإرصادات في كتاب عظيم معروف ب «زيج إيلخاني». كان مرجعا للمنجّمين في تأسيس المراصد وتدوين الزيجات.
واتّخذ في المرصد خزانة عظيمة فسيحة وملأها من الكتب المجموعة من شتّى البلاد الإسلاميّة ، حتى جمعت فيها أكثر من أربع مائة ألف مجلّد ، وجعل تلميذه المؤرّخ ابن الفوطيّ خازنا للمكتبة.
وبعد استسلام الإسماعيليّين أمام هولاكو كان الخواجة صحبه حتى احتلّ بغداد واستأصل المستعصم ، آخر الخلفاء العباسيّين. وبذلك انقرضت دولة بني العبّاس سنة ستّ وخمسين وستّمائة.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى تأثير اتّصاله بهولاكو بما يلي :
الف ـ إنقاذ الكتب وآثار الثقافة الإسلاميّة من الدمار. وقد عرفت أنّه أسّس مكتبة جنب مرصد مراغة تحوي على أربعمائة ألف كتاب.
ب ـ إنقاذ جمع كثير من علماء الدين ـ وخصوصا علماء الشيعة ـ من القتل.
ج ـ بناء مرصد مراغة الذي هو من أهمّ ما تركه علماء المسلمين في هذا المجال.
د ـ تأثيره في ملوك المغول حتى أصبح خلفاء جنكيز وهولاكو من المسلمين.