المنضمّة إلى القدرة توجب الفعل ويستحيل معها الترك (١). ولأنّ الممكن ما لم يجب لم يقع كما تقرّر من قبل (٢).
وقالت المعتزلة (٣) والإماميّة بالاختيار. ولا ينافي ذلك الوجوب مع انضمام الإرادة ؛ إذ المراد بالاختيار نظرا إلى القدرة المستقلّة.
واحتجّ أبو الحسين البصريّ على هذا القول بالضرورة ، وليس ببعيد ؛ فإنّ كلّ عاقل يعلم ذلك ويحكم به بل كلّ ذي حسّ حتّى البهائم ، فإنّها تهرب من الإنسان عند استشعار أذاه ولا تهرب من النخلة والجدار. وليس ذلك إلّا لما تقرّر في وهمها صدور الفعل من الإنسان دون الجماد. وذكر أبو الحسين على سبيل التنبيه وجهين :
الأوّل : أنّ هذه الأفعال واقعة بحسب قصودنا ودواعينا ، ومنتفية بحسب كراهتنا وصوارفنا ولا نعني بالفاعل إلّا من وقع الفعل منه بحسب قصده ودواعيه ، وانتفى بحسب كراهته وصارفه.
الثاني : أنّه قد تقدّم حكم العقل ضرورة بحسن المدح على الإحسان وحسن الذمّ على الإساءة. وذلك متوقّف على كون المحسن والمسيء فاعلين ، فلو لم يكن العلم بفاعليّتهما ضروريّا لزم ضروريّة الفرع مع عدم ضروريّة الأصل ، وهو محال (٤).
قال : وإن استدللنا عليه ، قلنا : إن وجد شيء من القبائح في العالم فالعبيد موجدوا أفعالهم ، والملزوم ثابت باعتراف الخصم ، فكذا اللازم.
بيان الملازمة : أنّا بيّنّا أنّ القبيح محال على الواجب ، فيكون فاعله غيره. وإذا كان
__________________
١ ـ قال المحقّق الطوسيّ في «تلخيص المحصّل» : زعم أبو الحسن الأشعريّ أنّه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلا ، بل القدر والمقدورات واقعان بقدرة الله تعالى. وقالت الفلاسفة : إنّ الله تعالى موجد للعبد القدرة والإرادة ، ثمّ هما يوجبان وجود المقدور. تلخيص المحصّل : ٣٢٥.
٢ ـ يراجع ص : ٥٥.
٣ ـ اتّفقت المعتزلة على أنّ العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها ، مستحقّ على ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة. وقال أبو الحسن البصريّ : إنّ العلم بذلك ضروريّ. كشف المراد : ٢٣٩ ، مذاهب الإسلاميّين ١ : ٤٨.
٤ ـ المعتمد في أصول الفقه : ١ : ٣٣٤ ـ ٣٤١.