الأولى : تعريف المعجز ، وهو أمر خارق للعادة ، خال عن المعارضة ، مقرون بالتحدّي ، موافق لدعوى الآتي به. وإنّما قلنا : «أمر» ولم نقل : «فعل» ؛ ليعمّ الإثبات والنفي فالإثبات كجعل العصا حيّة ، والنفي كسلب القدرة ، وغير ذلك. فهنا قيود :
الأوّل : خرق العادة ؛ فإنّه لو لم يكن خارقا كطلوع الشمس من المشرق لم يدلّ على الصدق. وخرقه للعادة قد يكون في جنسه كما قلنا ، وقد يكون في صفته كفصاحة القرآن.
الثاني : خلوّه عن المعارضة ؛ فإنّه لو لم يخل عن المعارضة ، بل كان مقدورا ، لم يدلّ على التصديق كالسحر والشّعبذة.
الثالث : اقترانه بالتحدّي ، أي طلب المعارضة ؛ ليخرج كرامات الأولياء ، والإرهاص الذي يفعله الله تعالى للدلالة على قرب مجيء نبيّ (١). وكذا ما يفعله تكذيبا ، كقصّة فرعون وإبراهيم فإنّه لمّا جعل الله النار بردا وسلاما على إبراهيم قال هو : أنا جعلتها بردا وسلاما! فجاءته نار فأحرقت نصف ذقنه لا غير.
الرابع : مطابقته للدعوى ؛ فإنّه لو لم يطابق لم يدلّ أيضا ، كقصّة مسيلمة (٢) لمّا دعا النبيّ صلىاللهعليهوآله لأعور فردّ الله عينه ، فقال : أنا أدعو له. فدعا فذهبت عينه الموجودة!
الثانية : إنّه يجب خلق المعجزة على يد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لأنّه لمّا تساوت أشخاص الإنسان في صلاحيّة النبوّة لم يكن الدالّ على تعيين النبيّ إلّا المعجز ، فيكون خلقه
__________________
١ ـ الإرهاص في اللغة : تأسيس البنيان. وفي الاصطلاح : قسم من الخوارق ، أو الخارق الذي يظهر من النبيّ قبل البعثة ، أي الأمر الخارق العادة الذي يظهر من النبيّ قبل ظهور بعثته. سمّي به لأنّ الإرهاص بناء البيت ، فكأنّه بناء بيت إثبات النبوّة.
وقد ظهرت الخوارق قبل نبوّة نبيّنا ، كالنور الذي في جبين آبائه ، وكقصّة أصحاب الفيل.
اللوامع الإلهيّة : ٢١٢ ، كشّاف اصطلاحات الفنون ١ : ٥٦٣ ، محيط المحيط : ٣٣٥.
٢ ـ مسيلمة الكذّاب قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله فيمن أسلم ، ثمّ ارتدّ لمّا رجع إلى بلده ، وادّعى النبوّة فاتّفقت معه بنو حنيفة إلّا القليل ، وغلب على اليمامة. فكتب ثمامة ـ عامل رسول الله على اليمامة ـ بخبره إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أرسل أبو بكر إليه عسكرا بقيادة عكرمة بن أبي جهل وقوّاه بخالد بن الوليد وقاتلوا قتالا شديدا حتى قتل مسيلمة ونحو عشرين ألفا من أتباعه. اشترك في قتله وحشيّ وأبو دجانة. وكان وحشيّ يقول : قتلت خير الناس وشرّ الناس : حمزة ومسيلمة. وقتل جمع كثير من الصحابة والمسلمين. وكانت حرب اليمامة سنة ١١ أو ١٢ ه. تاريخ الطبريّ ٢ : ٥٠٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٤ ، شذرات الذهب ١ : ٢٣ ، بحار الأنوار ٢١ : ٤١٣.