سمعيّ؟ فقال الأشاعرة وأكثر المعتزلة بالثاني ، وقال أبو الحسين البصريّ والكعبيّ (١) والجاحظ (٢) وأصحابنا بالأوّل (٣) ، لكنّ أصحابنا قالوا : «على الله» ، أي يجب في حكمته تعالى نصب رئيس لنا ، واولئك قالوا : «على الخلق». أي يجب على الخلق نصب رئيس لدفع الضرر عنهم (٤).
والدليل على مذهب أصحابنا أنّ نصب الإمام لطف للمكلّفين ، واللطف واجب على الله تعالى ، فنصب الإمام واجب عليه ، أمّا الكبرى فقد سبقت ، وأمّا الصغرى فلوجهين :
الأوّل : أنّه لما استولى سلطان الشهوة والغضب على المكلّفين ومحبّة كلّ منهم لحصول مراده وكراهته لفواته وميل الطباع إلى الظلم ونفورها عن الانظلام ، أمكن وقوع الشرّ والفساد بينهم ، فيستولى بعضهم على بعض ويقع الهرج والمرج المؤدّيان إلى هلاكهم. وقد علم كلّ عاقل نزع الهوى عن قلبه علما تجربيّا أنّه متى كان رئيس قاهر آمر بالمعروف وناه عن المنكر آخذ على أيدي الجناة حاسم لجرأة الطغاة ، ارتفع ذلك الشرّ والفساد ، وكانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد ، وذلك هو المراد باللطف كما مرّ فيجب وجوده في الحكمة ، وهو المطلوب.
الثاني : أنّه قد تقدّم وجوب وجود شريعة قائمة بالعدل بين الخلق في سائر ما يحتاجون إليه ، وظاهر بيّن أنّ الكتاب العزيز غير مشتمل على كلّ حكم جزئيّ يحتاج إليه وكذلك متواتر السنّة ، فوجب وجود شخص حافظ لجزئيّات الأحكام ، مبيّن لغوامض
__________________
١ ـ عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبيّ ، من بني كعب ، البلخيّ الخراسانيّ ، أبو القاسم. أحد أئمّة المعتزلة. وكان رأس طائفة منهم تسمّى الكعبيّة. له كتب ، منها : التفسير. تاريخ بغداد ٩ : ٣٨٤ ، الأعلام للزركليّ ٤ : ٦٥.
٢ ـ عمرو بن بحر بن محبوب الكنانيّ ، أبو عثمان ، الشهير بال «جاحظ». كبير أئمّة الأدب ، ورئيس الفرقة الجاحظيّة من المعتزلة. له كتب كثيرة. تاريخ بغداد ١٢ : ٢١٢ ، الأعلام للزركليّ ٥ : ٧٤.
٣ ـ قالت الأشاعرة بوجوب نصب الإمام ، والطريق إلى معرفة هذا الوجوب السمع دون العقل. قال التفتازانيّ : نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوّة واجب علينا سمعا عند أهل السنّة وعامّة المعتزلة ، وعقلا عند الجاحظ والكعبيّ وأبي الحسين البصريّ. الأربعين للرازيّ : ٤٢٧ ، شرح المقاصد : ٢٧٣ ، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٦٥.
٤ ـ بعض المعتزلة وإن وافقونا في وجوب نصب الإمام عقلا ، ولكن خالفونا في أنّه هل يجب على الله أو على العقلاء؟ فقالت المعتزلة بالثاني. وقالت الإماميّة بالأوّل ، واستدلّوا عليه بأنّ الإمام لطف ، واللطف واجب عليه تعالى عقلا ، فيجب عليه نصب الإمام. الذخيرة في علم الكلام : ٤١٠ ، تلخيص الشافي ١ : ٩٥ ، قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ : ٣٥ ، كشف المراد : ٢٨٤.