ثمّ إنّه بعد ذلك غاب واستتر وانقطعت تلك السفارة والمشاهدة له عليهالسلام ، فتوجّهت همم الخصوم إلى الطعن أوّلا في تلك القاعدة الموجبة لوجود الإمام في كلّ وقت بأنّه غير ظاهر بالاتّفاق ولا ناه ولا آمر ، وثانيا بعد تسليم تلك القاعدة بالسؤال عن علّة الغيبة إذ العبث والقبح عندكم منفيّان عن الحكيم تعالى ، وثالثا بمنع إمكان بقاء شخص هذه المدّة الطويلة وله هذا العمر الخارج عن العادة.
فأجاب أصحابنا ، أمّا عن الأوّل : فبمنع انخرام تلك القاعدة ، وإنّما يتمّ ذلك لو لم نقل بوجوده وولادته ومشاهدته.
قولكم : بأنّه غير ظاهر ولا ناه ولا آمر.
قلنا : ذلك غير قادح ؛ فإنّ نفس وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر ، فاللطفيّة حاصلة حال ظهوره وغيبته ، وهما بالنسبة إلى معتقديه سيّان ، كحال النبيّ صلىاللهعليهوآله في استتاره في الغار ، وحال غيبة جماعة من الأنبياء عن اممهم (١).
وأمّا عن الثاني : فأجاب المصنّف وجماعة بأنّه ليس من الله تعالى ؛ لحكمته ، ولا من الإمام ؛ لعصمته. بل من الرعيّة ، لسوء اختيارهم ، وعدم قبولهم وإذعانهم. وإذا كان كذلك تكون الغيبة حاصلة ما دامت العلّة حاصلة ، وإنّما تكون الحجّة بعد إزالة السبب المانع من الظهور.
وأجاب غيرهم بأنّ السبب غير معلوم لنا ، إذ لا يجب علينا معرفة علّة خلق كلّ شيء ، فنعرف علّة خلق الحيّات والعقارب وغيرها تفصيلا. بل يكفي الإجمال بأنّ
__________________
٤ ـ أبو الحسن عليّ بن محمّد السّمريّ. توفّي في النصف من شعبان سنة ٣٢٨ ه. وفي آخر سفارته صدر توقيع من الناحية المقدّسة عليهالسلام إليه :
«بسم الله الرّحمن الرّحيم. يا عليّ بن محمّد ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ؛ فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلب ، وامتلاء الأرض جورا. ألا فمن يدّعي المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم». كشف الغمّة ٢ : ٥٣٠.
١ ـ لتوضيح حكمة الغيبة وبيان حال غيبة الأنبياء : ينظر : كمال الدين : ٤٥ ، ١٢٧.