يتّصف به بالضرورة ، فيكون جوهرا عالما ، والبدن وسائر الجوارح آلاته في أفعاله (١) ، ونحن نسمّيه هاهنا : الروح.
أقول : لمّا كان المعاد هو الوجود الثاني للإنسان افتقرنا إلى معرفة الإنسان. واختلف الناس فيه اختلافا لا يكاد ينضبط ، لكنّ حاصله يرجع إلى أنّه إمّا جوهر أو عرض ، والجوهر إمّا جسمانيّ أو روحانيّ ، فالأقسام ثلاثة :
الأوّل : أن يكون عرضا ، فقيل : هو المزاج المعتدل. وقيل : هو الحياة. وقيل : تخاطيط الأعضاء وتشكّل البدن (٢).
الثاني : أن يكون جسما أو جسمانيّا ، فقيل : هو الهيكل المحسوس. وقيل : الأخلاط الأربعة. وقيل : أحد العناصر الأربعة. فكلّ ذهب إليه قوم (٣) ، وقال النّظّام : جسم لطيف داخل البدن (٤). وقال الراوندي (٥) : جزء لا يتجزّأ في القلب (٦). وقيل : الروح وهو جسم مركّب من بخاريّة الأخلاط (٧).
والمحقّقون من المتكلّمين قالوا : إنّه أجزاء أصليّة في البدن باقية من أوّل العمر إلى
__________________
١ ـ من الفصول النصيريّة.
٢ ـ من عرّف الإنسان بالعرض اختلف في أنّه ما المراد بهذا العرض الذي هو الإنسان؟ قال بعضهم : هو المزاج المعتدل الإنسانيّ. وبعضهم قالوا : هو العرض المسمّى بالحياة. وبعضهم قالوا : هو تخاطيط الأعضاء. نقل عنهم المحقّق الطوسيّ في قواعد العقائد : ٤٥ ، والفخر الرازيّ في التفسير الكبير ٢١ : ٣٩ ـ ٤٩.
٣ ـ القائلون بأنّ حقيقة الإنسان جسم أو جسمانيّ اختلفوا في مصداقه ، فبعضهم قالوا : إنّ الإنسان هو الهيكل المحسوس. نسب هذا القول الفخر الرازيّ في تفسيره إلى المتكلّمين ، والأشعريّ في مقالات الإسلاميّين إلى أبي الهذيل من المعتزلة. وقال بعضهم : إنّه الأخلاط. نقل الأشعريّ عن برغوث أنّه قال : إنّ الإنسان هو الأخلاط من اللون والطعم والرائحة. مقالات الإسلاميّين ٢ : ٢٤ ، التفسير الكبير ٢١ : ٤٠.
٤ ـ نقل عنه الأشعريّ في مقالات الإسلاميّين ٢ : ٢٤ ، والمحقّق الطوسيّ في قواعد العقائد : ٤٥.
٥ ـ أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراونديّ ، أو ابن الراونديّ ، البغداديّ العالم المقدّم المشهور. له مقالة في علم الكلام ، وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام ، وله من الكتب المصنّفة نحو من مائة وأربعة عشر كتابا ، وكان عند الجمهور يرمى بالزندقة والإلحاد. توفّي سنة ٢٩٨ ه وقيل : سنة ٢٥٠ ه. لسان الميزان ١ : ٣٢٣ ، الكنى والألقاب ١ : ٢٨٣ ، الأعلام للزركليّ ١ : ٢٦٧.
٦ ـ مقالات الإسلاميّين ٢ : ٢٤ ، الذخيرة في علم الكلام : ١١٤ ، قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ : ٤٥٠.
٧ ـ القائلون بأنّ الإنسان هو الروح اختلفوا في تعريف الروح ، قيل : هو جسم مركّب من بخاريّة الأخلاط. قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ : ٤٥ ، التفسير الكبير ٢١ : ٤٤.