الاستحقاقين بالآخر ، أولا. والثاني إمّا أن يثاب ثمّ يعاقب ، أو بالعكس.
أقول : لمّا فرغ من مباحث المعاد شرع في توابعه ، وهي مسائل الوعد والوعيد.
فالثواب : هو النفع المستحقّ المقارن للتعظيم والإجلال ، فبقيد الاستحقاق خرج التفضّل ، وبمقارنة التعظيم خرج العوض. والعقاب : هو الضرر المستحقّ المقارن للاستخفاف والإهانة. وهما دائمان في الأصل ؛ لأنّهما لطفان في وقوع الطاعة وارتفاع المعصية فدوامهما أدخل في اللطفيّة. ولأنّ الثواب والمدح معلولان للطاعة ، والعقاب والذمّ معلولان للمعصية ، والمدح والذمّ دائمان ودوام أحد المعلولين يستلزم دوام الآخر ؛ لأنّ دوام المعلول دليل على تحقّق العلّة وتحقّق العلّة يستلزم تحقّق المعلول الآخر.
إذا عرفت هذا فنقول : كلّ من استحقّ الثواب بالإطلاق أي لا يكون استحقاقه للثواب مشروطا بأخذ قصاص أو شفاعة من له الشفاعة ـ وذلك المؤمن الذي لم يشب إيمانه بظلم ـ فإنّه يدخل الجنّة ويخلد فيها ؛ لوجود العلّة الدائمة ، وهي الإيمان. ودوام العلّة يستلزم دوام المعلول. وكلّ من استحقّ العقاب بالإطلاق أي لم يحصل له سبب يدخل به الجنّة ـ كالكافر ـ فإنّه يدخل النار ويخلد فيها ؛ لأنّ انتفاء السبب يستلزم انتفاء المسبّب. وما بعد الدنيا من دار إلّا الجنّة أو النار ، فيدخل النار ويكون مخلّدا فيها. وكلّ من لم يستحقّ الثواب ولا العقاب ـ كالصّبيان والمجانين والبله الذين لا يتمكّنون من الفهم أصلا ـ لم يجز من الكريم المطلق أي الذي ليس فيه بخل ولا احتياج بوجه من الوجوه أن يعذّبهم ، بل يدخلهم الجنّة تفضّلا منه تعالى ، سواء كان آباء الصبيان مؤمنين أو كافرين. وأمّا من جمع بين الاستحقاقين أي صدر منه ما يستحقّ به الجنّة وما يستحقّ به النار ـ كالمؤمن الفاسق ـ فلا يخلو إمّا أن يكون متوعّدا على ما يستحقّ به النار توعّدا مطلقا لا بعينه أي يكون ذنبه صغيرا ، أو لا أي يكون متوعّدا عليه توعّدا معيّنا كالكبيرة.
فإن كان الأوّل أمكن بالإمكان العامّ أي ليس بممتنع لا بالذات ولا بالغير أن يعفو الله تعالى عنه ؛ لأنّه تعالى وعد بالعفو ، وهو حسن وخلف الوعد قبيح. وأيضا الغرض من إيجاده إيصال الثواب إليه فمعاقبته نقض غرضه. وهذا أيضا متّجه في القسم المتوعّد عليه بعينه ، فإنّه لا مانع من ذلك.