غرض الخالق في خلقه بفضله ، ولا يضيعه بتفريطه وجهله ، وإلّا شقي شقاء متينا (١) وخسر خسرانا مبينا. وفّقنا الله تعالى وإيّاكم لسعادة الدار الآخرة ، بمحمّد وعترته الطاهرة.
أقول : ختم المصنّف رحمهالله رسالته هذه بهذه النصيحة ، ومضمونها الحثّ على عبادة الله تعالى والقيام بحقّه بحسب الجهد والطاقة ؛ وذلك لأنّه إذا نظر بعين عقله أي بفكره وبصيرته في خلقته وما اودع فيها من الحكم والإتقان كما قال سبحانه : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) (٢) ، فإنّه يظهر له تفصيلا بيان ما تقدّم تحقيقه إجمالا ؛ وذلك لأنّ كلّ جزء من أجزاء بدنه وأعضائه له خاصّة وفائدة تترتّب عليه ولا تحصل في غيره ولا تتحقّق بدون وجوده على ذلك الوجه وعلى ذلك الوضع. ومن وقف على علم التشريح عرف حقيقة ذلك ، وما ذلك إلّا تقدير عزيز عليم وتدبير قادر حكيم ، يفعل لأغراض وغايات ترجع إلى المكلّفين ، فيجب عليهم شكره والقيام بواجب حقّه. وقد نبّههم على المطلوب منهم وهو يعلم أنّ أولي البصائر منهم لذلك عارفون وله يعقلون ، فقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣) ، إشفاقا عليهم ، وتذكيرا وتجديدا لنعمه لديهم. فمن قام بذلك فقد فاز فوزا عظيما وأدرك رضوانا جسيما ، ومن لم يقم بذلك شقي شقاء متينا وخسر خسرانا مبينا. جعلنا الله وإيّاكم من الفائزين لمقام القيام بحقوق الملك العلّام ، والاستعداد لحلول دار السلام ، والحشر في زمرة محمّد نبيّه سيّد الأنام صلىاللهعليهوآله ، مصابيح الظلام ، وخلفائه الكرام.
ولنقطع الكلام لله حامدين ، ولآلائه شاكرين ، وبالتقصير معترفين ، ومن الخطايا مستغفرين ، وعلى محمّد وآله مصلّين ، والحمد لله وحده ، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين. وكتب مصنّفه المقداد بن عبد الله بن السّيوريّ الأسديّ ، ثامن شهر رمضان من سنة ثمان وثمانمائة ، ربّ اختم بالخير يا كريم.
__________________
١ ـ متينا أي شديدا. المصباح المنير : ٥٦٢.
٢ ـ الروم / ٨.
٣ ـ الذاريات / ٥٦.