ولظهورها حذفها.
وأمّا الكبرى فلأنّا نحكم بأنّ كلّ ما ادرك بالحسّ فهو موجود ؛ وذلك لأنّ ما لا وجود له لا يدركه الحسّ ، لأنّه حينئذ معدوم. والحسّ إنّما يدرك ما يقابله أو يلاقيه ، ولا مقابلة ولا ملاقاة بين الموجود والمعدوم. وإذا صدق أنّ كلّ ما لا وجود له لا يدركه الحسّ انعكس بعكس النقيض إلى قولنا : كلّ ما ادرك بالحسّ فهو موجود. والحكم بالوجود على المدرك بالحسّ بدون تصوّر الوجود محال ، فثبت أنّ المدرك منّا لهذه الأشياء مدرك لوجودها بالضرورة ، ووجودها هو الوجود المطلق مع الإضافة إليها. وضروريّة المجموع تستلزم ضروريّة أجزائه ، إذ لو كان الجزء مفتقرا إلى الكسب لافتقر المجموع إلى الكسب ؛ لأنّ المفتقر إلى المفتقر إلى الشيء مفتقر إلى ذلك الشيء ، فثبت أنّ الوجود المطلق موجود (١) بالضرورة ، وهو المطلوب. وهنا فائدتان :
الأولى : إنّما قلنا في التقرير : إنّا ندرك أشياء بواسطة الحسّ ؛ لأنّ الإدراك في اصطلاح الحكماء إنّما يطلق على ذلك ، فإنّهم عرّفوه بأنّه : اطّلاع الحيوان على الامور الخارجيّة بواسطة الحواسّ.
الثّانية : ينبغي أن يقرأ قوله : «كلّ مدرك موجود» بفتح الراء على صيغة المفعول لا بكسرها ، ومن قرأها كذلك فقد غلط. ورأيت بعض المعاصرين يقرأها كذلك ، ويقرّر البحث أنّ من أدرك شيئا لا بدّ أن يدرك وجوده ، أى وجود نفس المدرك بكسر الرّاء ، وهو سهو.
أمّا أوّلا : فلأنّ كلّ أحد يدرك وجود نفسه ، سواء كان مدركا لغيره أو لا.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الضمير يعود إلى الأقرب في وجوده ، وذلك هو «شيئا».
وأمّا ثالثا : فلأنّ الحامل لذلك القائل على هذا الغلط هو خوف انتقاض الكليّة القائلة : إنّ كلّ مدرك موجود. فإنّ المعدوم مدرك وليس بموجود ، ولم يدر أنّ الإدراك إنّما يطلق على الحسّيّ في اصطلاحهم ، وهو يأبى تعلّقه بالمعدومات كما قرّرناه. ومع ذلك كلّه ، فيما ذكره المصنّف نظر ؛ لأنّ قوله : كلّ من أدرك هذه الأشياء فهو مدرك لوجودها
__________________
١ ـ «م» «ح» : معلوم.