الواحد بأنّه امتناع العدم عليه. لما تقدّم من قبل في الهداية السابقة (١). وإذا امتنع العدم على شيء كان ثبوتيّا وهو المطلوب. وفي قوله : «لأنّه مدلول دليل واحد». إشارة إلى كبرى مضمرة ، هي أنّه كلّما كان الدليل واحدا كان المدلول واحدا. وبيان ذلك إمّا على قاعدة الحكماء من أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد (٢) ، والدليل علّة للمدلول ، فإذا كان واحدا كان المدلول واحدا. وإمّا لأنّه قد تبيّن في علم الميزان أنّ الأعمّ من الشيء لا يدلّ عليه ، بل يجب أن يكون مساويا له (٣) ، فإذا كان الدليل واحدا كان المدلول واحدا ، وهو المطلوب.
إذا عرفت هذا فنقول : أمّا الدليل على هذه الدعوى فنقول :
حقيقة واجب الوجود لا يجوز أن يوجد منها أزيد من شخص واحد ؛ إذ لو وجد أكثر من شخص واحد لاشتركا في حقيقة واجب الوجود ، ولا بدّ من امتياز كلّ منهما بأمر ؛ إذ الاثنينيّة بدون الامتياز محال ، فيلزم كون كلّ منهما مركّبا ممّا به الاشتراك وممّا به الامتياز. وقد تقدّم استحالة التركيب على الواجب.
وأمّا السؤال المقدّر الذي أشار إلى جوابه ، فتقريره أنّ واجب الوجود عدميّ ، لأنّ وجوب الوجود عبارة عن عدم كون الذات قابلة للعدم ، فهو أمر عدميّ. وواجب الوجود ذات مأخوذة مع الوجوب ، وما جزؤه عدميّ فهو عدميّ. ولا يلزم من الاشتراك في الأوصاف العدميّة التركيب ؛ إذ البسائط تشترك في سلب ما عداها عنها ، ولا تركيب فيها. وتقرير الجواب أن نقول :
المراد من واجب الوجود ، الذات التي صدق عليها هذا الوصف ، لا هذا الوصف. وتلك الذات موجودة لا محالة ؛ لأنّ الدليل السابق دلّ على امتناع العدم على ذات الواجب ، وما امتنع عليه العدم فهو موجود ، وهو المطلوب.
قال : هداية ـ (٤) كلّ متحيّز مفتقر إلى حيّزه ، وكلّ عرض مفتقر إلى محلّه. والحيّز
__________________
١ ـ تقدّم في صفحة ٥٨.
٢ ـ ذهب الحكماء إلى أنّ الفاعل الواحد من جميع الجهات من غير تعدّد الآلات والقوابل لا يصدر عنه أكثر من واحد ، وخالف في ذلك أكثر المتكلّمين. إرشاد الطالبين : ١٦٩.
٣ ـ حاشية ملا عبد الله بتعليقة مصطفى الحسينيّ الدشتيّ : ٨٩ ، المنطق للمظفّر : ١٠٣.
٤ ـ الفصول النصيريّة : تبصرة.