ـ وهو ذات الواجب ـ مجرّدة.
وأيضا : صفات العقول والنفوس عند الفلاسفة حالّة فيها مع أنّها مجرّدات (١) ، فظهر أنّ المحلّ لا يجب أن يكون متحيّزا.
وأمّا الثالث : وهو الأولى في الاستدلال ، فنقول : لو حلّ في ذات الواجب شيء لكان ذلك الشيء إمّا قديما أو حادثا ، واللازم بقسميه باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة أنّ الحالّ إمّا أن لا يسبقه العدم أو يسبقه ، والأوّل القديم والثاني الحادث ، فظهرت الملازمة.
وأمّا بطلان القسم الأوّل ، وهو أن يكون الحالّ قديما ، فلما سبق من أنّ الواجب واحد وما عداه ممكن. وأمّا أنّ كلّ ممكن حادث فلما يأتي من بيان حدوث العالم.
وأمّا بطلان القسم الثاني ، وهو أن يكون الحالّ حادثا ، فلأنّ ذلك الحادث لا بدّ له من علّة تامّة ، فإمّا أن تكون علّته التامّة ذات الواجب ، أو شيئا من لوازمها أو غير ذلك ، لا جائز أن تكون علّته ذات الواجب أو شيئا من لوازمها ، وإلّا لكان قديما ، لأنّ قدم العلّة يستلزم قدم المعلول عند الحكيم ، وإلّا لزم الترجيح بغير مرجّح ، أو فرض ما ليس بتامّ تامّا.
وأيضا : يلزم أن تكون ذات الواجب قابلة لشيء وفاعلة له ، وهو غير جائز عندهم أيضا. ولا يجوز أن تكون علّة ذلك الحادث أمرا مغايرا لذات الواجب ، وإلّا لزم إمكان
__________________
سنة ٣٢٤ ه. وهو من أحفاد أبي موسى الأشعري ، كان تلميذ أبي علي الجبائيّ ، ودرس عليه أصول المعتزلة وطرق استدلالها ، وبعد ذلك اعترض على استاذه واختلف معه يوما في مسألة الصلاح والأصلح ففارقه ، وأعلن تخلّيه عن الاعتزال في مسجد البصرة سنة ٣٠٠ ه ، وأسّس المذهب الأشعريّ ونشر علم الكلام بصورة جديدة بين أهل السنّة والجماعة. وكان يعتقد بقدم القرآن ، ووجود فرق بين ذات الله وصفاته ، وضرورة رؤية الله يوم القيامة.
الملل والنحل ١ : ٨٤ ، موسوعة الفرق الإسلاميّة : ١٠٩. وذهبت الأشاعرة إلى أنّ لله معاني قائمة بذاته ، هي القدرة والعلم وغيرهما من الصفات ... وأبو هاشم أثبت أحوالا غير معلومة لكن يعلم الذات عليها. وجماعة من المعتزلة اثبتوا لله تعالى صفات زائدة على الذات. كشف المراد : ٢٢٩ ، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٢٧.
١ ـ واعلم أنّ أكثر الفلاسفة ذهبوا إلى أنّ المعلول الأوّل هو العقل الأوّل ، وهو مجرّد عن الأجسام والموادّ في ذاته وتأثيره معا. كشف المراد : ١٣١.