قوله : «فكلّ ما ورد ممّا ظاهره الرؤية اريد به الكشف التامّ» ، إشارة إلى ما استدلّ به الأشاعرة من النقل ، وهو نوعان : قرآنيّ وحديثيّ.
أمّا الأوّل : فآيات :
الأولى : قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (١).
ولو كانت ممتنعة لما سألها موسى عليهالسلام ؛ إذ هو عالم بصفات الله.
الثانية : قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢). والنظر المقرون ب «إلى» يفيد الرؤية.
الثالثة : قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٣). علّق الرؤية على استقرار الجبل الممكن ، فتكون ممكنة.
وأمّا الثاني : فما رووه من قوله عليهالسلام : «إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر» (٤).
والجواب عن الأوّل : أمّا الأولى فإنّ السؤال لقومه ، بدليل : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (٥). أو لتعاضد الأدلّة ولذلك اجيب ب (لَنْ تَرانِي) النافية على التأبيد.
وأمّا الثانية : فإنّ (إِلى) (٦) هنا اسم ، واحد الآلاء ، أي ناظرة نعم ربّها. أو في الكلام إضمار تقديره : إلى ثواب ربّها. ونمنع كون النظر المقرون ب «إلى» يفيد الرؤية ، وسند المنع قولهم : نظرت إلى الهلال فلم أره.
وأمّا الثالثة : فإنّ الرؤية معلّقة على استقرار الجبل حال حركته التي هي حالة التجلّي ، واستقراره حال الحركة محال ، فالمعلّق عليه محال أيضا.
__________________
١ ـ الأعراف / ١٤٣.
٢ ـ القيامة / ٢٢ ، ٢٣.
٣ ـ الأعراف / ١٤٣.
٤ ـ روى جرير بن عبد الله قال : كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله جلوسا ، فنظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : «إنّكم سترون ربّكم عيانا كما ترون هذا القمر ...». تفسير القرطبيّ ١٩ : ١٠٨.
٥ ـ النساء / ١٥٣.
٦ ـ جاء في لسان العرب ١٤ : ٤٣ : الآلاء : النّعم ، واحدها ألى ـ بالفتح ـ وإلي ، وإلى.