في جهة. أمّا الصغرى فلما تقدّم ، وأمّا الكبرى فلأنّ ما في الجهة إمّا منتقل فيكون متحرّكا ، أو غير منتقل فيكون ساكنا. والحركة والسكون حادثان لاستدعائهما المسبوقيّة بالغير ؛ لأنّ الحركة هي الحصول في المكان الثاني ، فهو مسبوق بالمكان الأوّل. والسكون هو الحصول الثاني في المكان ، فهو مسبوق بالحصول الأوّل. فكلّ ما في الجهة مسبوق بالغير ، وكلّ مسبوق بالغير محدث ، فكلّ ما في الجهة محدث.
الثانية : أنّه لا يدرك بآلة جسمانيّة ؛ لأنّه لا يدرك بالآلة الجسمانيّة إلّا ما كان ملاقيا أو مقابلا لها أو في حكمه. ولمّا كانت الآلة الجسمانيّة في الجهة وجب أن يكون مقابلها كذلك ، فيصدق قياس هكذا : كلّ مدرك بآلة جسمانيّة في جهة ، ولا شيء من الواجب في جهة ، فلا شيء من المدرك بآلة جسمانيّة بواجب. وينعكس بالمستوي إلى قولنا : لا شيء من الواجب بمدرك بآلة جسمانيّة ـ والمقدّمتان سبق تقريرهما ـ فتصدق النتيجة ، وهو المطلوب.
الثالثة : أنّه لا يدرك بالبصر. وهذه المسألة ممّا وقع فيها التشاجر بين المتكلّمين ، فقالت المجسّمة (١) : إنّه مدرك بالبصر ؛ لكونه جسما عندهم.
وقالت المعتزلة والإماميّة (٢) : إنّه غير مدرك بالبصر ؛ لكونه مجرّدا عندهم.
وقالت الأشاعرة : إنّه مدرك بالبصر. مع كونه مجرّدا عندهم ، فقد خالفوا جميع العقلاء (٣). وقد أشار المصنّف إلى دليل المعتزلة وأصحابنا بما تقريره : إنّ كلّ مدرك بالبصر فهو في جهة ، ولا شيء من الواجب في جهة ، فلا شيء من الواجب بمدرك بالبصر. والمقدّمتان سبق بيانهما.
__________________
١ ـ المجسّمة اسم يطلق على عامّة الفرق التي قالت بتجسيم الله تعالى. وزيدة كلامهم أنّهم يشبّهون الله بخلقه ويثبتون له مكانا. وهم فرق ، منهم الكراميّة. مقالات الإسلاميّين ١ : ٢٥٧ ، الملل والنحل ١ : ٩٦ ، موسوعة الفرق الإسلاميّة : ٤٤٩.
٢ ـ الإماميّة : هم القائلون بإمامة علي عليهالسلام بعد النبي صلىاللهعليهوآله نصّا ظاهرا وتعيينا صادقا ، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. وقد عيّن النّبي صلىاللهعليهوآله عليّا في مواضع تعريضا وفي مواضع تصريحا. مقالات الإسلاميّين ١ : ٨٧ ، الملل والنحل ١ : ١٤٤.
٣ ـ اعلم أنّ أكثر العقلاء ذهبوا إلى امتناع رؤيته تعالى. والمجسّمة جوّزوا رؤيته لاعتقادهم أنّه تعالى جسم ، ولو اعتقدوا تجرّده لم يجوّزوا رؤيته. والأشاعرة خالفوا العقلاء كافّة هنا ، وزعموا أنّه تعالى مع تجرّده يصحّ رؤيته. والدليل على امتناع الرؤية أنّ وجوب الوجود يقتضي تجرّده ونفي الجهة والحيّز عنه ، فينتفي الرؤية عنه. كشف المراد : ٢٣٠.