أحمد كمصنّفات الثعلبي والبغوي وأمثالهما الموصوفة عنده بالاشتمال على الصّدق والكذب ، لكنّه جعل مصنفات أحمد وأمثاله في مقابل مصنفات أولئك ... كما رأيت في عبارته السابقة ، فإن هذا يدل على أنّ أحمد ما كان يدوّن في كتبه كلّ ما سمعه ، فضلا عن تعمّد الكذب ونقل الأحاديث الموضوعة.
فثبت بطلان زعم ابن تيميّة بكلام نفسه حول أحمد بن حنبل ومصنفاته.
بل لقد نصّ ابن تيميّة على أنّ أحمد بن حنبل كان من العلماء الذين لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم ، ولا يروون حديثا يعلمون أنه عن كذّاب ، وهذا نصّ كلامه حيث قال :
« والناس في مصنّفاتهم منهم من لا يروي عمّن يعلم أنه يكذب مثل : مالك ، وشعبة ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأحمد بن حنبل. فإن هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم ، ولا يروون حديثا يعلمون أنّه عن كذاب ، ولا يروون أحاديث الكذابين الذين يعرفون بتعمّد الكذب » (١).
فإذا كان هذا حال أحمد بن حنبل في اعتقاد ابن تيميّة ، وقد عرفت أنّ أحمد يروي حديث مدينة العلم بطرق عديدة ، فإن هذا الحديث ليس بموضوع ، وليس رواته غير ثقاة ، وإلاّ لما رواه أحمد.
فظهر خزي ابن تيميّة حسب ما اعترف به في حق أحمد بن حنبل ، والحمد لله ربّ العالمين.
واعترف ابن تيميّة في كلامه في ردّ حديث مدينة العلم برواية الترمذي إيّاه ، والترمذي من أرباب الصحاح الستّة عند أهل السنّة ، وقد وصفوا جامعه الصحيح بأعلى أوصاف المدح ، وبعجائب المآثر العالية ، وبجّلوه غاية التبجيل ، حتّى لو أنّ
__________________
(١) منهاج السنة ٤ / ١٥.