وأمّا تمسّك ابن تيميّة بقدح ابن الجوزي في حديث مدينة العلم ، فقد تقدّم الجواب عنه في ضمن ردّ كلام ( الدهلوي ) ، بحيث يذعن كلّ منصف بصحة ما ذكرناه إذا وقف عليه ، ولو تظاهر عظماء العلماء لما تمكّنوا من إنكاره وجحده ، وكيف لا؟ وقد نصّ المحققون من أهل السنّة على تجاسر ابن الجوزي وتهوّره في الحكم على الأحاديث مطلقا ، وأنّ جماعة منهم ردّوا كلامه في خصوص حديث مدينة العلم.
إذن ، لا يجوز الاعتماد على كلام من اشتهر بين علماء أهل السنة وحفّاظهم بهذه الصفة ، وعلى هذا الأساس أعرضوا عن كلماته في الأحاديث ، أو توقّفوا عن قبولها ، وقد بلغ سقوط تقوّلاته في خصوص هذا الحديث إلى حدّ انبرى جماعة من أعلام المحققين للردّ عليه وبيان فساده وبطلانه ، إلاّ أنّ ابن تيميّة لا يستحي من التمسّك بكلام ابن الجوزي الباطل ، و« إذا لم تستح فاصنع ما شئت ».
ونحن كما فنّدنا كلام ابن تيميّة بالنسبة إلى حديث مدينة العلم بكلام نفسه ، نثبت بطلان كلام ابن الجوزي الذي تمسّك به ابن تيميّة في ردّ هذا الحديث مزيدا للإفحام والإلزام ، وذلك أنّ ابن الجوزي يقول في كتابه ( الموضوعات ) : « فمتى رأيت حديثا خارجا عن دواوين الإسلام ، كالموطأ ، ومسند أحمد ، والصحيحين ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، ونحوها ، فانظر فيه ، فإن كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره ، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده ، واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين ، فإنك تعرف وجه القدح فيه » (١).
ففي هذا الكلام اعتراف بكون ( كتاب الترمذي ) من دواوين الإسلام ،
__________________
(١) الموضوعات ١ / ٩٩.