اعلم أن الجاه جاهان : جاه يجريه الله على يدي أوليائه لأوليائهم فهؤلاء قال الله تعالى : ( أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) وما أخوفني أن تكون نظيرا لمن عاش مستورا عليه في دينه مقتورا عليه في رزقه ، معزولة عنه البلايا مصروفة عنه الفتن في عنفوان شبابه وظهور جلده وكمال شهوته ، فغنى بذلك ، حتى إذا كبرت سنّة ودقّ عظمه وضعفت قوته وانقطعت شهوته ولذّته فتحت عليه الدنيا شر مفتوح ، فلزمته تبعتها وعلقته فتنتها وأعشت عينيه زهرتها وصفت لغيره منفعتها. فسبحان الله ما أبين هذا الغبن وأخسر هذا الأمر ، فهلاّ إذا عرضت لك فتنها ذكرت أمير المؤمنين عمر رضياللهعنه في كتابه إلى سعد حين خاف عليه مثل الذي وقعت فيه ـ عند ما فتح الله على سعد ـ أمّا بعد فأعرض عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الماضين الذين دفنوا في أرماسهم لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، لم تفتنهم الدنيا ولم يفتتنوا بها رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا.
فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنّك ورسوخ علمك وحضور أجلك فمن يلوم الحدث في شبيبته الجاهل في علمه في رأيه المدخول في عقله. إنّا لله وإنّا إليه راجعون على من المعوّل وعند من المستغاث. ونشكو إلى الله شيئا وما نرى منك. ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به. والسلام عليك ورحمة الله تعالى » (١).
ولا يخفى أنّ أبا حازم الأعرج من كبار علماء أهل السنّة ، ومن مشاهير رجال الصحاح الستّة ، قال ابن حبان : « سلمة بن دينار ... وكان قاصّ أهل المدينة ، من عبّادهم وزهّادهم ، بعث إليه سليمان بن عبد الملك بالزهري أن ايتني ، فقال
__________________
(١) حلية الأولياء ٣ / ٢٤٦ ـ ٢٤٩.