عنه أنّه بعث الأفراد إلى الآفاق ، مثل علي ومعاذ وعتاب بن أسيد ودحية وغيرهم رضي الله عنهم ، وهذا أكثر من أن يحصى وأشهر من أن يخفى. وكذلك أصحابه رضي الله عنهم عملوا بالآحاد وحاجّوا بها ، قد ذكر محمد رحمهالله في هذا غير حديث في كتاب الاستحسان ، واقتصرنا على هذه الجملة لوضوحها واستفاضتها.
وأجمعت الأمة على قبول أخبار الآحاد من الوكلاء والرسل والمضاربين وغيرهم.
وأما المعقول فلأن الخبر يصير حجة بصفة الصدق ، والخبر يحتمل الصدق والكذب ، وبالعدالة بعد أهلية الأخبار يترجّح الصدق ، وبالفسق الكذب ، فوجب العمل برجحان الصّدق ليصير حجة للعمل ، ويعتبر احتمال السهو والكذب لسقوط علم اليقين ، وهذا لأن العمل صحيح من غير علم اليقين ، ألا ترى أنّ العمل بالقياس صحيح بغالب الرأي ، وعمل الحكام بالبيّنات صحيح بلا يقين ، فكذلك هذا الخبر من العدل يفيد علما بغالب الرأي ، وذلك كاف للعمل ، وهذا ضرب علم فيه اضطراب ، فكان دون علم الطمأنينة » (١).
ولقد أكّد هذا المعنى وأوضح دلالة الأدلة عليه من الكتاب والسنة والإجماع والعقل : عبد العزيز بن أحمد البخاري في ( كشف الأسرار ـ شرح أصول البزدوي ) ، وهذا نصّ عبارته بطولها :
« قوله : وهذا أي خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب العلم يقينا ، أي لا يوجب علم يقين ولا علم طمأنينة وهو مذهب أكثر أهل العلم وجملة الفقهاء ، وذهب بعض الناس إلى أن العمل بخبر الواحد لا يجوز أصلا وهو المراد من قوله : لا يوجب العمل. ثم منهم من أبى جواز العمل به عقلا مثل الجبائي وجماعة من المتكلمين ، ومنهم من منعه سمعا مثل القاساني وأبي داود والرافضة. واحتجّ من منع عنه سمعا بقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) أي لا تتّبع ما لا
__________________
(١) الأصول ـ بشرح البخاري ٢ / ٦٧٨ ـ ٦٩٤.