المراد من قوله تعالى : ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الواحد فصاعدا. كذا قال قتادة ، وكذا نقل في سبب نزول قوله تعالى : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) إنهما كانا رجلين أنصاريين بينهما مدافعة في حق فجاء أحدهما إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم دون الآخر. وقيل : كان أحدهما من أصحاب النبي عليهالسلام والآخر من أتباع عبد الله بن أبي المنافق على ما عرف. على أنّا لو حملناها على أكثر ما قيل وهو العشرة لا ينتفي توهّم الكذب عن خبرهم ، ولا يخرج خبرهم عن الآحاد إلى التواتر.
ولا يقال : سلّمنا أن الراجع مأمور بالإنذار بما سمعه ، ولكن لا نسلّم أن السامع مأمور بالقبول ، كالشاهد الواحد مأمور بأداء الشهادة ولا يجب القبول ما لم يتم نصاب الشهادة وتظهر العدالة بالتزكية. لأنا نقول : وجوب الإنذار مستلزم لوجوب القبول على السامع كما بيّنا ، كيف وقوله تعالى : ( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) يشير إلى وجوب القبول والعمل. فأما الشاهد الواحد فلا نسلّم أن عليه وجوب أداء الشهادة ، لأن ذلك لا ينفع المدعي وربما يضرّ بالشاهد بأن يحدّ حد القذف إذا كان المشهود به زنا ولم يتم نصاب الشهادة.
وهذا أي الدليل على قبول خبر الواحد في كتاب الله أكثر من أن يحصى. منه :
قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) أمر بسؤال أهل الذكر ولم يفرّق بين المجتهد وغيره ، وسؤال المجتهد لغيره منحصر في طلب الاخبار بما سمع دون الفتوى ، ولو لم يكن القبول واجبا لما كان السؤال واجبا.
ومنه : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ ) أمر بالقيام بالقسط والشهادة لله. ومن أخبر عن الرسول بما سمع فقد قام بالقسط وشهد لله وكان ذلك واجبا عليه بالأمر ، وإنما يكون واجبا لو كان القبول واجبا وإلاّ كان وجوب الشهادة كعدمها وهو ممتنع.
ومنه : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى )