وكذلك الحال في قوله عليهالسلام : يا رسول الله أتخلّفني مع النساء والصبيان؟ فإنه لما تألّم وتأذّى ممّا قالته قريش في استخلافه ، قال هذا للنبي صلّى الله وآله وسلّم ليصدر منه كلام يكون جواباً قاطعاً عما قيل فيه ، ولذا لمّا قال له ذلك أجاب صلىاللهعليهوآلهوسلم : « كذبوا ... ».
وكما قال ابن تيميّة نفسه : « فبيّن له النبي صلّى الله عليه وسلّم إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي ... ».
فإذن ، لم يكن استخلافه إيّاه نقصاً عليه ، ولم يكن هذا الإستخلاف ضعيفاً ، ولم يكن قول الأمير ذلك وبكاؤه لهذا الذي زعمه ابن تيمية ...
وأيضاً قوله : « فكان قول النبي صلّى الله عليه وسلّم تبييناً أن جنس الإستخلاف ... » صريح في أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دفع بقوله : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » توهّم أن استخلافه في المدينة يدل على نقصٍ فيه ، وأفاد أنّه لو كان الإستخلاف دالاً على ذلك لما فعله موسى بهارون ... فهذا الكلام من ابن تيمية وجه آخر لإبطال استدلاله بالبكاء وقول : « أتخلّفني ... » على أنّ هذا الإستخلاف كان أضعف الإستخلافات ، وهكذا يتضح وقوع التهافت والتناقض في كلماته.
لكنّه يدعي ـ مع ذلك كلّه ـ أنّ متوهّم هذا الوهم الذي دفعه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أمير المؤمنين عليهالسلام نفسه فيقول : « وقول القائل : إذ جعله بمنزلة هارون إلاّفي النبوة. باطل ، فإن قوله : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، دليل على أنه يسترضيه بذلك ويطيّب قلبه ، لما توهم من وهن الإستخلاف ونقص درجته ، فقال هذا على سبيل الجبر له ».
لكنّها دعوى لا أساس لها ولا شاهد عليها.