حين قال له ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ).
إذا عرفت هذا فنقول : كل رسول بعث بالسيف فهو خليفة من خلفاء الحق ، وإنه من اولى العزم. ولا خلاف في أنّ موسى وهارون عليهماالسلام بعثا بالسيف ، فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة والخلافة ، فهارون له الإمامة التي لا واسطة بينه وبين الحق فيها ، وله الإمامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إيّاه على قومه ، فجمع بين قسمي الإمامة ، فقويت نسبته إليها. فلذلك اضيف حكمته إليها دون غيرها من الصفات.
واعلم أن هارون لموسى عليهالسلام حين استخلفه على قومه وذهب لميقات ربّه ، بمنزلة نوّاب محمد لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بعد انقضاءه عن النشأة العنصرية ذاهباً إلى ربّه » (١).
وقد اشتمل هذا الكلام على وجوه لإثبات خلافة هارون ، وعدم المنافاة بين الخلافة والنبوة ، لا تخفى على الناظر الخبير.
ومثله كلام القيصري في ( شرحه على الفصوص ).
هذا كلّه ، مضافاً إلى ما رواه جمع من أئمّة الحديث عن ابن عباس :
قال السيوطي : « أخرج ابن أبى عمر العدني في مسنده ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير قال :
سألت ابن عباس عن قول الله تعالى : ( وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) فسألته عن الفتون ما هو؟ فقال : استأنف النهار ـ يا ابن جبير ـ فإنّ لها حديثاً طويلاً ، فلما أصبحت
__________________
(١) نقد النصوص في شرح الفصوص : ١٢٤.