الحرجيّة مخصوص بهذه الأمّة كرامة لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا يمكن أن يكون المراد من الحرج عدم القدرة والطاقة والعجز عن الامتثال بمثابة يكون تكليفه في تلك الحالة قبيحا أو غير ممكن ، فلا شكّ في أنّ المراد من التكاليف والأحكام الحرجيّة ـ ولو كانت وضعيّة ـ هو أن يكون الحكم المجعول من طرف الشارع موجبا للضيق والعسر على النوع أو على الشخص ؛ لأنّه قد يكون العسر النوعي موجبا لرفع الحكم ولو كان بالنسبة إلى بعض الأشخاص غير حرجي ، فيكون الحرج من قبيل الحكمة لا العلّة. ولعلّه يكون من هذا القبيل رفع وجوب الغسل ووجوب التيمّم في قوله تعالى في آية التيمّم ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (١) فالله تبارك وتعالى رفع وجوب الغسل وشرع التيمم ولو كان تحصيل الماء مع المشقّة ممكنا.
والحاصل : أنّه لا شكّ في دلالة هذه الآيات وهذه الروايات المستفيضة على عدم جعل الأحكام الحرجيّة في الدين الحنيف الإسلامي ، وقد ذكرنا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بعث بالحنيفيّة السمحة السهلة ».
نعم هاهنا إشكال معروف ، وهو أنّه لا شكّ في وجود أحكام شاقّة في هذا الدين الحنيف ، كالجهاد وعدم جواز الفرار عن الزحف ، والصوم في شهر رمضان خصوصا في أيّام الصيف ، وأمثال ذلك من الأحكام التي هي شاقّة على نوع المكلّفين.
ولكن أنت خبير بأنّه ربما تكون مصلحة فعل ، أو ترك ، أو مصلحة إثبات حكم وضعي ، أو رفعه بمثابة من الأهميّة بحيث يكون عدم جعل ذلك الحكم التكليفي أو الوضعي خلاف اللطف والامتنان ، سواء أكانت تلك المصلحة شخصيّة أو نوعيّة ؛ لأنّ الشارع قد يلاحظ مصلحة النوع ولو لم تكن للشخص مصلحة أصلا أو لم تكن ملزمة ، ومع ذلك يكلّف الشخص بذلك الفعل مراعاتا وحفظا لمصلحتهم.
وبعبارة أخرى : رفع الأحكام الحرجيّة أو عدم جعلها ، يكون من باب الامتنان
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٨٥.