قبيحا عقلا بل يكون ممتنعا عقلا ـ بناء على ما حقّقنا في محلّه من أنّ حقيقة الأمر والنهي هو البعث إلى أحد طرفي المقدور أو الزجر عنه كذلك ـ فالتكليف بما لا يطاق بهذا المعنى لا يمكن ، لا أنّه ممكن وقبيح.
ومثل هذا المعنى ليس مفاد قاعدة لا حرج ؛ لأن ظاهر أدلّة نفي الحرج ـ آية ورواية ـ أنّه تبارك وتعالى في مقام الامتنان على هذه الأمّة ، ولا امتنان في رفع ما لا يمكن جعله ووضعه ، أو يكون وضعه قبيحا ، مع أنّه حكيم لا يمكن أن يصدر منه فعل السفهاء.
فمعنى عدم الحرج في الدين هو عدم جعل حكم يوجب الضيق على المكلّفين ، وبهذا المعنى فسر الحرج في جميع التفاسير من العامّة والخاصّة.
ومثل هذا المعنى ليس دليل على امتناعه أو قبحه ولكنّ الله تبارك وتعالى لطفا وكرما لم يجعل الأحكام الحرجيّة بالنسبة إلى جميع العباد ، أو بالنسبة إلى خصوص هذه الأمّة المرحومة كرامة لنبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويشهد بالمعنى الثاني ـ أي اختصاص رفع الأحكام الحرجيّة بهذه الأمّة ـ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « بعثت بالحنيفيّة السمحة السهلة » (١). وقوله تعالى ( لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) (٢) والإصر : الجمل الثقيل الذي يحبس صاحبه مكانه لثقله ، والمراد التكاليف الشاقّة التي كلّف الله تعالى بها الأمم السابقة من التشديدات ، وقد عصم الله هذه الأمّة من أمثال ذلك ، وأنزل في شأنهم ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ ) (٣).
فهذه الآية الكريمة مع الحديث الشريف تدلّ دلالة واضحة على أنّ رفع الأحكام
__________________
(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٩٤ ، باب كراهية الرهبانيّة وترك الباه ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٢٤٦ ، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، باب ١٤ ، ح ١ ؛ « عوالي اللئالي » ج ١ ، ص ٣٨١ ، ح ٣.
(٢) البقرة (٢) : ٢٨٦.
(٣) الأعراف (٧) : ١٥٧.