الكلام في إمكان الترخيص في الجامع وعدمه.
قد يقال بعدم إمكان ذلك إذ أن الترخيص في الجامع ترخيص في مخالفة الحكم المقطوع ، وقد قلنا في محلّه إن الترخيص في متعلّق القطع مستحيل إذ أن منجّزيّته غير معلّقه ، ومن هنا قد يقال بالتفصيل بين الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي وبين الترخيص في الجامع ، فالأول ممكن والثاني مستحيل ، ومع القول باستحالته لا تصل النوبة إلى مقام الإثبات ، إذ لا نحتاج إلى الاستدلال على عدم الترخيص بعد الحكم باستحالته في مقام الثبوت ، وهذا ما ذهب إليه مشهور الأصوليّين ، إلا أن المصنّف رحمهالله ذهب إلى مذهب آخر وهو إمكان الترخيص في الجامع كما هو الحال في الترخيص في بعض الأطراف ، واستدلّ لذلك بما حاصله :
أنّه فرق بين التكليف الواصل بالقطع التفصيلي ، والتكليف الواصل بالقطع الإجمالي ، فإن الأول ليس فيه أيّ غموض بل هو معلوم من تمام الجهات بجنسه وفصله ، فحينما نكون عالمين بوجوب صلاة الظهر فنحن نعلم بوجوب الصلاة ، وبأن الصلاة الواجبة هي صلاة الظهر ، وهذا بخلاف العلم الإجمالي فإننا وإن كنّا نعلم بوجوب جامع الصلاة مثلا ولكننا نشك في أطراف هذا الجامع فلا ندري أن الصلاة التي نعلم بوجوبها في الجملة هل هي صلاة الظهر أو صلاة الجمعة. وباتّضاح الفرق بين العلمين نعرف السرّ في عدم إمكان الترخيص في القطع التفصيلي إذ أن الترخيص المتصوّر في المقام إما واقعي أو ظاهري ، وكلاهما مستحيل إذ أن الأول يلزم منه اجتماع حكمين متغايرين على موضوع واحد ، وهذا من اجتماع الضدّين لتضادّ الأحكام فيما بينها.