وأمّا ثانياً : فلاشتمالها على الأمر بالاستظهار بيوم أو يومين ، وقد تقدّم أن الاستظهار معناه طلب ظهور الحال والاحتياط مع الاحتمال ، فالصحيحة تدلّ حينئذ على أن النّفاس يمكن استمراره إلى عشرين يوماً ، وهو مما لا قائل به فلا بد من حملها على التقية. فالصحيح أن أكثر النّفاس عشرة أيام ، هذا.
على أن الصحيحة مشتملة على عقدين إيجابي وسلبي ، وهي إنما تنظر إلى عقدها الإيجابي ، وهو كون أكثر النّفاس ثمانية عشر يوماً ، وتدلّ بالالتزام على العقد السلبي وهو عدم كون أكثره أقل من ثمانية عشر ، وهذا خلاف الأخبار الواردة لبيان أن النّفاس أكثره عشرة ، حيث دلت ابتداء على أنه لا يكون أكثر من عشرة أيام ، ودلت بالالتزام على أن أكثره عشرة.
وكيف كان فالصحيحة لو كانت بصدد بيان الحكم الواقعي للزم تخصيصها بذات العادة ، لدلالة الأخبار على أنها ترجع إلى عادتها كما مر ، وهي آبية عن التخصيص بذلك ، لأن ذوات العادة من النساء كما قالوا أكثر من غيرهن ، ومعه كيف يمكن حمل الصحيحة الواردة لبيان أكثر النّفاس على غير الغالب من النساء ولا تكون متعرضة للغالب منهن وهي في مقام البيان ، وهذا يؤيد حملها على التقية أيضاً.
ومن الأخبار الدالّة على تحديد أكثر النّفاس بثمانية عشر يوماً صحيحة أُخرى لمحمد بن مسلم قال « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام كم تقعد النّفساء حتى تصلِّي؟ قال : ثماني عشرة ، سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلِّي » (١).
والاستدلال بهذه الصحيحة أفحش من سابقتها ، لأن النّفساء على هذه الصحيحة مخيرة بين القعود ثمان عشرة ليلة والقعود سبع عشرة ليلة ، فإذا فرضنا أنها ولدت في الليل كان آخر أيام نفاسها في اليوم السادس عشر ، وهذا مما لم يلتزم به أحد ، فلا مناص من حملها على التقية كسابقتها ، مضافاً إلى لزوم محذور تخصيصها بذات العادة كما مرّ في الصحيحة المتقدمة.
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٣٨٦ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٢.