وثانياً : لو سلمنا طهارة الشهيد من الحدث والخبث لا دليل على أن من كان كذلك لا يجب الغسل بمسّه.
وما ورد في الروايتين المتقدمتين من أن وجوب الغسل والتغسيل من جهة حدث الميِّت أو خبثه إنّما هو من قبيل الحكمة وليس علّة له ، كيف والأئمة المعصومون عليهمالسلام طاهرون مطهرون ، ومع ذلك يجب تغسيلهم ويغسل بمسّهم ، وكذلك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما ورد في رواية الصفار (١) على ما قدّمناه ، حيث ورد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان طاهراً مطهراً ، ولكن فعل أمير المؤمنين عليهالسلام وجرت به السنة ، إذن فمقتضى العمومات وجوب الغسل بمسّ الشهيد وإن لم يجب تغسيل الشهيد تجليلاً لمقامه.
وقد يستدل على عدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد : بأنّ الشهيد ومسّه كان مورداً للابتلاء به في تلك الأزمنة ، لكثرة الحروب في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليهالسلام ، ومعه لم ينقل لنا وجوب الغسل بمسّه ، وهذا يكشف عن عدم وجوب الغسل بمسّ الشهيد ، وإلاّ لنقل إلينا لا محالة.
وهذا لا يمكن المساعدة عليه أيضاً ، لأنّه بعد ورود حكم مسّ الشهيد في المطلقات الدالّة على أن مسّ الميِّت موجب للغسل لا يلزم بيان حكم مسّ الشهيد بخصوصه.
والّذي يدلّنا على ذلك أنّا لو قلنا بذلك فهو مختص بالشهيد الّذي لا يغسل ، وهو الشهيد الّذي لم يدركه المسلمون حياً ، وأمّا الّذي به رمق وأدركه المسلمون حياً لو حملوه على رحله فمات هناك ، فهذا واجب التغسيل كما يأتي إن شاء الله تعالى ، فمسّه موجب للغسل. وهذا أيضاً كان كثير الابتلاء به ، إذ لم يكن كل من سقط في المعركة شهيداً كذلك ، أي من غير أن يدركه المسلمون حيّاً ، بل كان بعضهم ممّن يدركه المسلمون كذلك قطعاً ، ومع هذا لم يرد في وجوب الغسل بمسّه رواية ولم ينقل وجوبه إلينا ، مع أنّه واجب ولا وجه له إلاّ كفاية المطلقات الواردة الدالّة على وجوب الغسل
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٢٩١ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٧.