وإنّما خرج عنهما عنوان الكافر ، فإذا شككنا في كفر أحد وإسلامه ليس لنا الحكم بكفره باستصحاب عدم إسلامه ، وذلك لأنّ الكفر ليس من الأُمور العدمية ، وإنّما هو أمر وجودي معناه الاتصاف بعدم الإسلام لا عدم الاتصاف به ، ليكون أمراً عدميا فإنّه من العدم والملكة وقد قالوا إن إعدام الملكات لها حظ من الوجود وحاله حال العمى ، لأنّه ليس بمعنى عدم الاتصاف بالبصر بل بمعنى الاتصاف بعدم البصر ، ومن هنا لو شككنا في عمى أحد أو بصره ليس لنا استصحاب عدم اتصافه بالبصر والحكم بأنّه أعمى ، لأنّ العمى ليس هو عدم البصر بل عبارة عن الاتصاف بعدم البصر ، وهو لا يثبت باستصحاب عدم البصر.
ومن ثمة قلنا في بحث النجاسات (١) أنّ المشكوك كفره وإسلامه محكوم بالطهارة لاستصحاب عدم اتصافه بالكفر ، إذ لا يجري فيه استصحاب عدم الإسلام لإثبات كفره ، حيث إنّ الكفر بمعنى الاتصاف بعدم الإسلام ، وعليه ففي المقام يستصحب عدم اتصاف اللقيط بالكفر ، لأنّ النجاسة وعدم وجوب التغسيل مترتبان على الكفر ولا يمكن إثباته باستصحاب عدم الإسلام ، لأنّه أمر وجودي ، بل يجري استصحاب عدم الاتصاف به ، وبه يثبت عدم كفره فيشمله ما دلّ على وجوب تغسيل كل ميت.
هذا كلّه بناءً على أنّ المدرك في عدم وجوب تغسيل الميِّت [ الكافر ] هو السيرة القطعية لأنّها جرت على عدم تغسيل الكافر أي الموضوع فيها هو الكفر ـ ، وأمّا بناءً على أنّ المدرك هو الموثقة المتقدِّمة (٢) فالأمر ظاهر ، لأن موضوع الحكم بعدم وجوب التغسيل هو التنصّر ، غاية الأمر أنّا علمنا أنّ النصرانية لا خصوصية لها ، بل التهود والتمجس والشرك أيضاً كذلك. ومن الظاهر أن تلك العناوين عناوين وجودية وعند الشك فيها يستصحب عدمها ، وبه يثبت أنّ المشكوك فيه من أحد الأفراد الباقية تحت العموم والإطلاق.
__________________
(١) شرح العروة ٣ : ٨١.
(٢) في ص ٣١١.