ويدلُّ على ذلك ما ورد من أن غسل الميِّت كغسل الجنابة (١) بضميمة ما قدمناه في بحث غسل الجنابة من اعتبار قصد القربة فيه ، وما ذكرناه في بحث الأُصول من أن قصد القربة مأخوذ في متعلق الأمر كغيره من الأجزاء والشرائط (٢) فإنّه بناءً على هذين الأمرين يدل التشبيه في الرواية على أن غسل الميِّت أيضاً يعتبر فيه قصد القربة جزءاً أو شرطاً وهو داخل في حقيقته.
نعم ، بناءً على ما سلكه صاحب الكفاية قدسسره من أن قصد القربة غير مأخوذ في متعلق الأمر وإنّما هو واجب عقلي ، لعدم حصول الغرض إلاّ به (٣) لا يستفاد من الرواية أن قصد القربة مأخوذ في غسل الميِّت شرعاً.
وأمّا الاستدلال على اعتبار قصد القربة بقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٤) وما ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم « لا عمل إلاّ بنيّة » و « إنّما الأعمال بالنيّات » و « لكل امرئ ما نوى » (٥) فلا وجه له أصلاً.
أمّا الآية المباركة فلأنّ الضمير فيها يرجع إلى المشركين وأهل الكتاب المذكورين قبل تلك الآية ، وتدل على أنّ الله سبحانه لم يأمرهم بعبادة الوثن أو روح القدس أو غيرهما أي لم يأمرهم بالشرك وإنّما أمرهم أن يعبدوه ، ولا دلالة لها على أنّ التكاليف المتوجهة إلى الأُمم السابقة أو في هذه الشريعة كلّها تعبدية.
كما أنّ الأخبار المتقدِّمة إنّما أُريد منها كما صرّح به في الجهاد أنّ العمل لا يترتب عليه إلاّ ما نواه فاعله ، وأن روح العمل هو النيّة ، فلو نوى المجاهد بجهاده وجه الله فلا يترتب عليه إلاّ رضاه وثوابه ، وإن أُريد به أمر دنيوي لا يترتب عليه إلاّ ذاك
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٤٨٦ / أبواب غسل الميِّت ب ٣.
(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٦٥ ١٧٢.
(٣) كفاية الأُصول : ٧٢.
(٤) البيّنة ٩٨ : ٥.
(٥) الوسائل ١ : ٤٦ / أبواب مقدمة العبادات ب ٥ وغيره.