الذي يحكم معه بوجوب الأغسال إذا ثقب هو الذي يحكم معه بوجوب الوضوء لو لم يكن ثاقباً ، فلا وجه لتقسيم دم الاستحاضة إلى الصفرة أو الحمرة.
وليس المدار في اختلاف حكمها هو اختلاف لون الدم من الحمرة والصفرة ، بل سواء أكان دمها أحمر أم كان أصفر إذا ثقب الكرسف وجبت معه الأغسال الثلاثة وإذا لم يثقبها وجب معه الوضوء ، فما أفاده قدسسره من اختلاف حكم المستحاضة باختلاف لون الدم مخالف لصريح الصحيحة كما عرفت.
نعم ، هي توافق المحقق المزبور في أن دلالتها على وجوب الأغسال الثلاثة مع الثقب على نحو الإطلاق سواء أكان متجاوزاً أيضاً أم لم يكن ، إلاّ أنه لا بدّ من تقييد إطلاقها من هذه الجهة بصحيحة زرارة الدالة على أن وجوب الأغسال الثلاثة إنما هو فيما إذا كان الثقب مع التجاوز ، وأمّا مع عدم التجاوز فالواجب غسل واحد لكل يوم وليلة : « قال قلت له : النفساء متى تصلِّي؟ فقال : تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد (١).
وروايته الأُخرى عن أبي جعفر عليهالسلام قال « سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال : تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة ، فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلِّي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ ( يثقب ) الدم فإذا نفذ اغتسلت وصلّت » (٢). إلاّ أنها ضعيفة بمحمد بن خالد الأشعري ، فهي صالحة للتأييد دون الاستدلال بها.
وكيف كان فبدلالة صحيحة زرارة صريحاً يقيد إطلاق قوله عليهالسلام في الصحيحة المتقدمة « ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر ... » بما إذا كان متجاوزاً وأمّا مع الثقب من دون تجاوز فالواجب في حقها غسل واحد ، فالصحيحتان تدلاّن على المسلك المشهور من انقسام المستحاضة إلى أقسام ثلاثة ، ووجوب الوضوء مع
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.
(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٩.