مقتضى صحيحة أبان وحسنته المتقدمتين (١) أن المدار في سقوط الغسل وعدمه هو إدراك المسلمين له وبه رمق الحياة فيغسل ، وبين إدراكهم له وليس به رمق فلا يغسل بلا فرق في ذلك بين أن تكون الحرب قائمة أم لم تكن ، وكان الميِّت في المعركة أو في خارجها ، إذ المناط صدق القتل في سبيل الله.
وحمل إدراك المسلمين له على إخراجه من المعركة أو إدراكه حيّاً بعد انقضاء الحرب كما ذكره المحقق الهمداني (٢) قدسسره.
مما لا موجب له ، لأنه ارتكاب خلاف ظاهر الروايتين ولا يمكن المصير إليه إلاّ بدليل ولا دليل عليه ، بل الإدراك باقٍ على معناه من وصول المسلمين إليه.
ودعوى : أن المسلمين جمع محلى باللام وهو يفيد العموم ، فلا يمكن إرادة إدراك واحد أو اثنين منهم ، ولا بدّ من حمله على إخراجه من المعركة أو على إدراكه بعد انقضاء الحرب ليشاهده عامّة المسلمين.
مندفعة بأنه وإن كان جمعاً محلى باللام وهو قد يراد منه العموم ، إلاّ أنه غير محتمل الإرادة في المقام ، لعدم إمكان أن يشاهد الشهيد جميع المسلمين في العالم.
وكذلك الحال إذا حملناه على جميع المسلمين المقاتلين ، لأنهم بأجمعهم لا يشاهدون القتيل لاشتغالهم بالحرب أو بسائر الأشغال. فلا بد من حمله على إرادة الطبيعة والجنس كما يستعمل فيه بكثير ، نظير قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... ) (٣) أو ( فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ ... ) (٤) فان الألف واللاّم فيهما بمعنى الطبيعة والجنس فيصدق على درك واحد من المسلمين أو اثنين أو أكثر.
فتحصل : أن المدار في سقوط التغسيل وعدمه إنما هو على إدراك المسلمين له وفيه رمق الحياة أو إدراكهم له وليس فيه رمق ، ولا اعتداد بكونه قتيلاً في المعركة وكانت
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٧ ، ٩. وتقدّم ذكرهما في ص ٣٧٧.
(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٦٧ السطر ٣٤.
(٣) التوبة ٩ : ٦٠.
(٤) الأنفال ٨ : ٤١.