وقد أجبنا عن ذلك في محلِّه (١) بأن إطلاقات أدلة الأُصول لا يمكن تقييدها بهذا الوجه الاعتباري ، لأن العلم بوقوع المكلفين في مخالفة الواقع لو كان مانعاً عن إجراء الأُصول لم يمكن إجراء شيء منها في مواردها ، فإن مثل أصالة الطهارة لا إشكال في مخالفتها للواقع في بعض الموارد بالإضافة إلى المكلفين ، لعدم احتمال مطابقتها الواقع دائماً في حق كل من شك في طهارة شيء ، غاية الأمر أن موارد المخالفة في مثل أصالة الطهارة أقل من البراءة في موارد الشك في الاستطاعة ونحوها ، إلاّ أن قلة موارد المخالفة وكثرتها لا تكون فارقة في المقام ، فهذا لا يكون مانعاً عن جريان الأُصول.
نعم ، لو علم المكلف أنه يقع بنفسه في مخالفة الواقع على تقدير إجرائه الأصل ولو في بعض الموارد كان هذا مانعاً عن جريانه للعلم بالمخالفة القطعية حينئذ ، وهذا ما سنشير إليه في القريب.
وأمّا العلم بأنه وغيره من المكلفين يقع في مخالفة الواقع فهو لا يمنع عن جريان الأصل بالإضافة إلى المكلف الشاك في التكليف ، فهذا الوجه ساقط.
والصحيح في المقام أن يقال إن المرأة إذا كانت ملتفتة إلى حالها وأنها تبتلي بالاستحاضة بعد ذلك أيضاً مرات كثيرة في عمرها فلو أجرت الأُصول النافية من البراءة عن وجوب الغسل أو الأغسال أو استصحاب عدم ثقب الدم أو عدم تجاوزه معه في جميع أيام استحاضتها لوقعت في مخالفة الواقع في بعض الموارد ، فمقتضى علمها الإجمالي هذا وجوب الفحص والاختبار في حقها وعدم جريان الأُصول في أطرافه ، وذلك لما بيناه في محلِّه (٢) من أن تنجيز العلم الإجمالي وعدم جريان الأصل في أطرافه لا يختص بما إذا كانت الأطراف دفعية ، بل إذا كانت تدريجية أيضاً لم تجر فيها الأُصول.
كما لا يفرق في التدريجية بين ما إذا كان متعلق الحكم تدريجياً وما إذا كان الحكم تدريجياً في نفسه كما في المقام ، على ما أسلفناه في محلِّه.
وأمّا إذا لم تلتفت إلى ذلك أي إلى أنها تستحاض كثيراً في عمرها أو التفتت إلى
__________________
(١) راجع مصباح الأُصول ٢ : ٥١٠ الجهة السادسة.
(٢) راجع مصباح الأُصول ٢ : ٣٦٨ التنبيه السادس.