أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار ، فيجلس في القبة المختصة به ، ونأتي إليه بغليان فيشربه ، ثمّ يخرج إلى قبّة اُخرى تجتمع فيها تلامذته ، من كلّ المذاهب فيدرس لكلّ على مذهبه.
فلمّا رجع من الطواف في اليوم الَّذي شكوته في أمسه نفود النفقه ، وأحضرت الغليان على العادة ، فإذا بالباب يدقّه أحد ، فاضطرب أشدّ الإضطراب ، وقال لي : خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان ، وقام مسرعاً خارجاً عن الوقار والسكينة والآداب ، ففتح الباب ، ودخل شخض جليل في هيئة الأعراب ، وجلس في تلك القبّة ، وقعد السيّد عند بابها ، في نهاية الذلّة والمسكنة ، وأشار إليَّ أن لا أقرّب إليه الغليان.
فقعدا ساعة يتحدّثان ، ثمّ قام فقام السيّد مسرعاً وفتح الباب ، وقبّل يده وأركبه على جمله الَّذي أناخه عنده ، ومضى لشأنه ، ورجع السيّد متغيّر اللون وناولني براة ، وقال : هذه حوالة على رجل صرّاف ، قاعد في جبل الصفا اذهب إليه وخُذ منه ما أُحيل عليه.
قال : فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف ، فلمّا نظر إليها قبّلها وقال : عليَّ بالحماميل ، فذهبت وأتيت بأربعة حماميل ، فجاء بالدراهم من الصنف الَّذي يقال له : ريال فرانسه ، يزيد كلّ واحد على خمسة قرانات العجم ، وما كانوا يقدرون على حمله ، فحملوها على أكتافهم ، وأتينا بها إلى الدار.
ولمّا كان في بعض الأيّام ، ذهبت إلى الصرّاف لأسأل منه حاله ، وممّن كانت تلك الحوالة فلم أر صرّافاً ولا دكاناً ، فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن انصراف ، فقال : ما عهدنا في هذا المكان صرّافاً أبداً وإنّما يقعد فيه فلان ، فعرفت أنّه من أسرار الملك المنّان ، وألطاف وليّ الرحمان (١).
__________________
١ ـ جنة المأوى للمحدّث النوري : في آخر ترجمة الإمام المهديّ عليهالسلام من بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، الحكاية الثانية عشرة.